مزاح.. ورماح

فوبيا الإجازة

أحمد حسن الزعبي

على الرغم من أني قد تخلّصت من ورطة الاغتراب منذ ست سنوات تقريباً، إلا أن شهر يونيو مازال يذكرني بفوبيا الإجازة، بكل ما تحمله من تفاصيل الاستعداد للسفر من تسوق مستمر، وتسديد الفواتير المؤجلة، وتسليم المهام للشخص البديل الذي سيقوم بملء مكانك في العمل.

ما إن ينهي الطلاب امتحاناتهم المدرسية، حتى كنت أشد الرحال إلى مراكز التخفيضات، وبيدي قوائم طويلة ومكتوبة على الوجهين بأسماء الأقارب والأنسباء والأصدقاء، مبوّبة ومرتّبة حسب درجة القرابة، متضمّنة أسماء المواليد الجدد، مشطوبة منها أسماء الوفيات أو المهاجرين أو المفقودين، لأقوم بشراء هدايا الإجازة من دون أن أغفل أو أنسى أو أعود «فاضي اليدين» إذا ما سلم عليّ أحدهم مصادفة في أول صلاة جمعة من عودتي.

أحياناً الاسم لم يكن يكفي، فلابد من ذكر تاريخ الميلاد وذلك لتستطيع حساب نسبة النمو السنوي على طول قامة الطفل أو الفتى، كما دأبت في السنتين الأخيرتين من اغترابي على ربط قوائم المشتريات إلكترونياً مع الأحوال المدنية في مسقط رأسي، لمعرفة المواليد الجدد من أقاربي الذين دخلوا الدنيا قبل حلول الإجازة لأحسب حسابهم بهدية هم أيضاً.

بعد يوم كامل من الساعة التاسعة صباحاً حتى التاسعة مساء ـ تتخلله ساعة غداء واحدة ـ من الجلوس بين الرفوف والتجول بين الأقسام تكون حصيلة أكياس التسوّق بيجامات «بوكيمون» من النمرة (2) إلى النمرة (12)، «تي شيرتات سبونج بوب» من عمر ست سنوات إلى عمر 66 عاماً ـ خلي الشيّاب ينبسطوا ـ قمصان رسمية رجالي عدد 36 بمقاسات متفرقة بدءاً من (small) وانتهاءً بــ XXXL، عباءات نسائية مطرزة وسادة بموديلات ومقاسات معظمها العرض فيها اكبر من الارتفاع، معسل «تفاحتين» دلو نصف كيلوغرام، طنجرة ضغط لحماتي، مولينيكس لأمي، فرّامة ملوخية لشقيقة المدام الكبرى، ثياب رجالي مقاس 56 عدد ،18 عطور صينية لماركات مقلّدة تشكيلة منوعة، ألعاب مختلفة ثمن البطاريات أغلى من ثمن اللعبة نفسها، مثل لعبة تغني وترقص «شخبط شخابيط» لنانسي عجرم، وقرد يقرع طبل ويهزّ رأسه بشكل أفقي سريع، وكلب ـ بعيد عن السامعين ـ يعوي ويحرك ذيله ثم يقلب على ظهره، وسيارات نجدة بريموت غالباً لا يعمل ريموتها.

قبل ليلة السفر تفرغ الثلاجة من محتوياتها، تغطي الكنب والأسرّة بملاءات بيضاء، وتغلق النوافذ جيداً، وتتخلص من المواد المعرضة للتلف، وعندما تحاول ترتيب ملابسك وهدايا الصيف في حقائب السفر تكتشف أن نصف حقائبك «سحّاباتها معطوبة»، ما يضطرك إلى شراء حقائب جديدة قبل السفر بساعات،

مع كل ما سبق من «كركبات» روتينية ومديونية مؤجلة، إلا أنه عندما يغلق المجاز حقيبته المكتنزة بمقتنياته وهداياه ومفاتيح انبساطه، يكون قد أغلق عاماً كاملاً من تعب وشوق، وحنين، وغربة.

إجازة سعيدة..

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر