أبواب

موتسارت هو الموسيقى

قيس الزبيدي

كان موتسارت موسيقياً فريداً على الإطلاق، فلم توجد في مدوناته أي تصحيحات أو تغييرات، أما أنا فلو ترك ليَ الخيار لكنت عملت على هذا الفيلم وحده 100 سنة، حتى أستطيع، دون توقف، تغيير المشاهد والحوارات.

ميلوش فورمان حول فيلمه العظيم «أماديوس».

في يوم شتائي عاصف، سارت جنازة موتسارت دون أن يمشي وراء تابوته أحد ودفن في قبر جماعي مخصص للفقراء والمتسولين من دون شاهد ولا صليب، ولايزال موقع جثمانه لغزاً حتى اليوم، كان مهملاً في حياته رغم انه بدأ تأليف الموسيقى منذُ الخامسة من عمره، وكان مهملاً في مماته رغم انه توفي في الـ35 من عمره، مخلفا وراءه كنزاً موسيقياً مذهلاً في مختلف أشكال الموسيقى وأنواعها، فمنها مثلاً 56 سيمفونية، و21 كونشيرتو بيانو، و19 سوناتة بيانو، و15 أوبرا، وأعمال أخرى كثيرة.

يختلف موتسارت في طريقة إبداعه الموسيقي عن كل الموسيقيين العظماء قاطبة، فقد كان ينزل عليه فيض من الأفكار الموسيقية بشكل تلقائي لا أحد عرف سره وكانت المقاطع تكتمل في ذهنه كأنه يحلم، بينما هو يلتقط جميع عناصرها الموسيقية دفعة واحدة، وكان هو نفسه يتعجب: «كيف لا تتلاشى هذه الأحلام الموسيقية عندي، كما تتلاشى أحلامي الأخرى».

يذكر ناقد موسيقي أن موتسارت كان يدوّن موسيقاه بسرعة وخفة، كما لو أن هناك وحياً يُمليها عليه مباشرة، ولم يكن يحتاج إلى البيانو أثناء التأليف، بل كان في مقدوره منذ البداية تَخيل العمل في شكله النهائي بغاية الوضوح.

حينما قرر الموسيقي والمؤرخ الانجليزي دينيس بارينغتون أن يختبر موتسارت، بعد أن شكك بعض الموسيقيين في صحة سنه، وضعه أمام اختبارات صعبة للغاية وأعد، بعدئذ، تقريراً للجمعية الملكية عن قدراته الاستثنائية التي لا تقبل الشك: «موتسارت يتمتع بقدرات خارقة للطبيعة، تتمثل في القراءة الفورية للنوتات الموسيقية والعزف معصوب العينين والتدوين الكامل لموسيقى سمعها مرة واحدة، وتحديد طبقة أي نغمة موسيقية فيها، إضافة إلى تأليف السوناتات والكونشيرتات، بل حتى مجموعة من الأوبرات ابتداء من سن الخامسة».

صحيح أن موتسارت تمتع بموهبة إلهية، لكنها موهبة صُقِلَت بعمل دؤوب، وهو نفسه يقول إنه عانى كفاية في دراسة التأليف الموسيقي، وإنه لم يترك أستاذ موسيقى من الكبار، إلا دأب على دراسة طريقته دون كلل.

كان الطفل المعجزة قبل أن يبدأ العزف يسأل الموجودين في البلاط، ما إذا كانوا يحبونه حقاً، وحينما كانوا يؤكدون محبتهم له كان يشرع في العزف. واستمر هذا «السر/السؤال» حتى يومنا هذا: من يحب موسيقى هذا «الطفل»؟

عبر تاريخ الموسيقى الطويل لم يكن معجزتها، كما أقر له معظم المؤلفين منذ عام ،1799 بل كان كما يقال: موتسارت هو الموسيقى، واليوم لاتزال موسيقاه، كما يؤكد الموسيقي محمد حنانا مؤلف كتاب «موتسارت» للناشئة، الهيئة العامة السورية للكتاب ،2012 باقيةً مع البشر في العالم بأسره، مادام البشر يملكون آذانا يحبون أن يسمعوا بها.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر