أبواب

دم «الحولة»

علي العامري

بعد منتصف الليل، أطفال الحولة في ملابس النوم، عيونهم مغمضمة، وأحلامهم يقظة تتفتح مثل زهور، يحلمون بحلوى عيد ينتظرونه، ويأملون أن يذهبوا في صباح جديد ينتظرونه بشغف، كي يخرجوا من الحارات إلى حديقة الألعاب، وربما يخطر في بالهم أن يرسموا على جدران البيوت شمساً وعصافير ترفرف في زرقة صافية، وربما يحلمون بمشاوير صغيرة بين حقول سهل الحولة، ويطاردون فراشات ملونة، وهم مبتهجون، ربما، أيضاً، يحلمون بملابس تليق بطفولتهم، ملونة مثل أحلامهم التي كانوا ينتظرونها.

أطفال الحولة، في تلك الليلة، لم يفيقوا من نومهم، ولم يكملوا أحلامهم الصغيرة، ولم يخرجوا في صباح السبت إلى الحقول أو اللعب أو الرسم بالطباشير على الحيطان، لم يفيقوا، ولكن دمهم هو الذي أفاق، والموت هو الذي أفاق، في منتصف الليل، ذلك الليل الذي لايزال يقطر دماً.

كانوا في نومهم، هؤلاء الأطفال، وكانوا يحلمون، وربما عبرت كوابيس في مخيلاتهم، لكنهم كعادتهم كل صباح ينفضون عن أجسادهم غبار النوم والكوابيس التي دهمتهم، خصوصاً بعد مشاهد الدم التي أصبحت يومية في أرض الأبجدية الأولى، وصارت لتلك البلاد أبجدية دموية تتواصل حروفها انتشاراً وحفراً في جسد الحياة، وصار الحجر السوري منقوشاً بدم الشهداء.

أطفال الحولة الذين كانوا في نومهم يحلمون، صرخت دماؤهم وأضاءت ليلاً كاملاً، وسالت أرواحهم إلى نهر العاصي، ورفرفت أحلامهم فوق أشجار بيوتهم، حين انهالت قوات النظام على نومهم قصفاً بالمدفعية والأسلحة الثقيلة، ودخلت قوات الأمن والشبيحة البيوت لتقتل وتذبح أطفالاً ونساء وشباباً وكهولاً، وكانت مجزرة الحولة التي ستبقى، على مر الزمان، علامة دموية لانحدار الإنسان إلى قاع الوحشية، تلك المجزرة التي تبكي الحجر، ستظل نقشاً غائراً يشير إلى العار الإنساني، وإلى وحشية بشر، وإلى كراهية قصوى، وعمى البطش.

أطفال سهل الحولة، لم يكن ليلهم سهلاً، لكن قتلهم كان سهلاً، قصفاً وذبحاً في ليل، وكانت العتمة تزداد كثافة في أرواح القتلة، الذين فاجأوا الليل والنوم والأشجار التي تقف على أطراف الشوارع، وبكى السهل دماً، وصرخ السهل والحقول، والليل نفسه بكى، وبكت الأبواب والعتبات والمرايا وأغطية النوم، حين قامت المذبحة التي ضم سجلها 108 شهداء، من بينهم 49 طفلاً دون الـ،10 و34 امرأة، والتي دانها مجلس الأمن، وأثبت فريق المراقبين الدوليين مسؤولية النظام السوري عنها، وأكد أن بصمة النظام واضحة في المجزرة المروعة.

أطفال الحولة الذي كانوا يحلمون بالحياة، جاءهم الموت في ليل، ظن القتلة أنه سيكون ستراً لهم، لكن دماء الأطفال لن تصمت، وعلى الرغم من أبجدية القتل اليومي، سيأتي يوم تطلع فيه شمس الحرية المنتظرة منذ أكثر من 40 عاماً في بلاد الأبجدية الأولى.

alialameri@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر