أبواب

«أرجوكم لا تسخروا مني»

محمد المرزوقي

جودي بلانكو، كاتبة أميركية مغمورة، لا يتجاوز رصيدها الأدبي كتابين ومجموعة من الندوات. كان يُمكن أن تبقى مغمورة إلى الأبد لولا أن أحد كتابيها، واسمه «أرجوكم لا تسخروا مني»، تصدّر قائمة الكتب الأكثر مبيعاً بحسب الـ«نيويورك تايمز»، وترجم إلى العديد من اللغات العالمية ومنها «العربية»، كما صار يدرّس في العديد من المدارس والجامعات الأميركية.

في هذا الكتاب المستوحى من مذكرات أو ذكريات بلانكو الحقيقية، تلقي المؤلفة الضوء على مفهوم النبذ، وتستعرض جانباً من سوء المعاملة والمضايقات التي كانت تتعرض لها في المدرسة منذ كانت طفلة في المرحلة الابتدائية، إلى أن أصبحت مراهقة في المرحلة الثانوية. الكتاب الذي أصبح يوصف بـ«إنجيل مكافحة البلطجة» فتح أعين الكثيرين من مسؤولين وأكاديميين ومعلمين وآباء على أسرار وحقائق المدارس المؤلمة، والعواقب الطويلة المدى للبلطجة.

تقول بلانكو في أحد فصول الكتاب: بينما كان الآخرون، من الطلاب، يحلمون بالحفلات الغنائية، والمغامرات العاطفية، والحياة الجامعية أو الوظيفية، كانت ـ هي ـ تحاول تحديد أفضل الطرق لتنتقل من الساحة إلى قاعة المحاضرات من دون أن يبصق عليها أحدهم أو تتعرّض للمضايقة بينما تعبر الأروقة!

بعد صدور كتابها، عادت جودي إلى مدرستها الأولى (ومدارس أخرى)، لتروي حكايتها مع البلطجة أمام آلاف من الطلبة والمدرسين. كان حديثها مليئاً بالدموع، والنقمة!

ربما كانت نهاية قصة جودي سعيدة، ولكن النهايات ليست متشابهة دائماً حتى لو كانت البدايات كذلك، فقصة الطفل فيجاي سينج شاييري ـ التي أوردها ممدوح عدوان في كتابه حيونة الإنسان ـ شبيهة بقصة جودي بلانكو. مع فارقٍ واحد، هو أنه خسر إلى جانب كرامته حياته أيضاً. و«فيجاي» هذا طفل هندي يعيش في مانشستر، وقد انتحر بعد أن بلغت مضايقات زملائه الجسدية واللفظية حداً يعجز عن حمله أو تحمله العصبة أولو القوة، فكيف بطفل لم يبلغ الـ.13 وقد وجدت هذه الورقة في دفتر مذكراته: «سأذكر ما حصل ولن أنساه أبداً. الإثنين: سُرقت نقودي، الثلاثاء: أُطلقت علي نعوت بذيئة، الأربعاء: مُزق ردائي، الخميس: الدم يغمر جسدي كاملاً، الجمعة: انتهى الأمر. السبت: الحرية»، ووجده والداه يوم الأحد ميتاً يتدلى من حبل مربوط في السلالم!

ما نشرته «الإمارات اليوم» عن الطفلة «لجين» والطفل «يوسف يعقوب»، يثبت أن البلطجة في المدارس سلوك عالمي وعام، فقد حاولت بعد قراءة تفاصيل قصة الطفلين، التي آلمت إنسانيتي بشكلٍ كبير، أن أبحث في الكتب عن الدوافع الباطنية التي تجعل أطفالاً يُفترض فيهم البراءة يقترفون أفعالاً وحشية تعجز عن اقترافها أكثر قبائل الكونغو بدائية؛ فوجدت للكاتب المصري علي سالم تحليلاً منطقياً وغريباً في آن واحد. يقول علي سالم إن العدوان يرتبط أشد الارتباط بمرحلة الطفولة، فطاقة العدوان عند الطفل لا حدود لها، وتبدأ بالاضمحلال تدريجياً، مع التقدم في العمر، عن طريق التربية الجيدة. وكذلك المجتمع يلعب دوراً في كبت عدوان الطفل عندما يستهجن تصرفاته.

أما عن عبارة «براءة الأطفال» الشهيرة، فيقول علي سالم إنها من صنعنا نحن، وربما كانت حقيقية لأن الطفل لا يدرك عدوانيته الغريزية ويراها أمراً طبيعياً تماماً كبقية غرائزه.

تقول جودي بلانكو إنه لو قرأ الذين تورطوا في مضايقتها ـ وهي طالبة ـ كتابها اليوم، لاعتذروا منها عما سببوه من آلام. ولكن من يقص جناح الفراشة هل سيجعلها اعتذاره تطير من جديد؟

al-marzooqi@hotmail.com

Twitter:@Arabiology

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر