من المجالس

الأزهر.. لو يعود

عادل محمد الراشد

لو بقي الأزهر أزهرَ طوال العقود الماضية لما وجد المتطفلون على موائد العلم والدعوة فرصتهم لتصدّر المشهد الديني في بلاد العرب والمسلمين، ولما نبتت أفكار الغلو وتعالت أصوات المتعالمين واستشرت أفكار المبتدعين لتخطف الخطاب الديني وتتنازع حق الولاية والوصاية عليه. ولو بقي الأزهر أزهرَ لما خلت الساحة في حواضر العرب ومجاهل إفريقيا وأقاصي آسيا لدعوات «الطأفنة» وإحياء الفرق لتزرع شرها في ربوع الإسلام، وتعمل على تمزيق النسيج المذهبي المتناسق داخل الأقطار بقوة المال واستغلال عاطفة الجهل وطيبة الساذجين. ولو بقي الأزهر أزهرَ لما تم اختطاف مفهوم المقاومة من عقر داره وصار بضاعة رخيصة في أيدي المتاجرين والمرجفين من صناع الفتن. ولو بقي الأزهر أزهرَ لما كثرت الرؤوس وتنافرت النفوس وتقاذف الجهال بالفئوس تحت بند الاجتهاد مرة، والحفاظ على نهج السلف الصالح مرة أخرى، وخلط الدين بالسياسة مع الطبيخ مرة ثالثة، ليصعب هضم الخلطة حتى على صنّاعها.

كان الأزهر هو المؤسسة العلمية التي رعت الثقافة الاسلامية ليس في مصر وحدها، بل وزعت إشعاعها في كل جهات الأرض، وأوصلت الدين كما وصل من منبعه سهلاً يسيراً مبشراً لا منفراً، وحازماً غير مضيع في الوقت نفسه، فكانت النتائج تصب في تقوية النسيج والتقاء الأفكار وتجانس المفاهيم، ومن خلفها توسيع رقعة الدعوة إلى الله لرفعة البشرية وتحسين مستوى الإنسان. وعندما غلبت السياسة روح المؤسسة وأدخل الأزهر مرغماً في بيت طاعة السلطان، ووضع فكره قيد الإقامة الجبرية، وأحكمت أحزمة العفة على أدمغة علمائه ورجالاته انكفأ الأزهر ردحاً طويلاً من الزمن، فدفعت الأمة كلها ثمن ذلك الاحتواء، حتى وصلنا إلى ما نراه ونعيشه في ساحة الدعوة والعلم والفتوى.

باستعادة الأزهر لاستقلاله كمؤسسة في العهد الجديد نتمنى أن يستعيد دوره ليعود كل المتطفلين على الدين والدعوة إلى جحورهم خائبين.

adel.m.alrashed@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر