أبواب

باراسيكولوجي

محمد المرزوقي

تخيل لو طُلب منك أن تحدّد مكاناً يقع على خط طول 35 ودائرة عرض 27 -مثلاً - على الخريطة! ستحتاج حتمًا إلى جغرافيّ يحسن قراءة خطوط الطول والعرض على الخرائط ليحدّد المكان بالضبط، لكن ماذا لو طلبنا من الجغرافي نفسه أن يصف لنا ما يوجد في تلك النقطة/المكان دون الرجوع إلى الأقمار الاصطناعية أو «غوغل إيرث»؟ لا شك أنّه سيتّهمنا بالجنون والخرف، أو إن كان أميركياً سيتوجّس منّا خيفة ويعتقد أنّنا نعمل لمصلحة وكالة الاستخبارات المركزيةّ الأميركيّة (سي آي إيه)، ففي نهاية سبعينات القرن المنصرم، قامت الــ«سي آي إيه» باختبار أحد هؤلاء ممّن يمتلكون قدرة خارقة، وأعطي إحداثيات لمنطقة عسكرية في ولاية فيرجينيا الأميركية، ومع أنّ وجود هذه القاعدة كان محاطا بالسرية والكتمان الشديدين، فإنّ هذا الشخص تمكن من وصف القاعدة، كأنّه يراها! بل - وزيادة على ذلك - تمكّن من قراءة شفرة سرية مكتوبة على ملفات، محفوظة في داخل خزائن مغلقة!

نعم، أتفق معكم أنّ القصة غير قابلة للتصديق وتصلح قصّة لفيلم هندي رديء، لكنها - القصة - لم تنته هنا، إذ قام أحد الصحافيين بالتشكيك في صحتها وتوجّه إلى تلك الإحداثيات التي تبعد 135 ميلاً عن مدينة «واشنطن دي سي»، وبعد رحلة مملوءة بالأحلام والخيالات عن شكل تلك القاعدة، ومدى الحراسة المفروضة عليها، وإمكانية تصويرها من الداخل والخارج ومن جميع الجهات، وفرصة الحصول على مقابلات حصرية مع كتيبة جنود المشاة.. إلخ، تحطّمت أحلام الصحافي على قمّة هضبة قاحلة مملوءة بالروث وقطعان الغنم في موقع تلك القاعدة المتخيلة! لا أدري كيف كان شعور ذلك الصحافي حينها، وهل صبّ جام غضبه على تلك الأغنام البريئة أم أنّه لعن اللحظة التي جعلته يأخذ قصة سخيفة مثل هذه على محمل الجد؟ على كل حال، كان عليه - كما اتضح لاحقاً - أن يوجّه لومه إلى ضابط الاستخبارات الذي أعطى الصحافي المسكين الحقيقة منقوصة، فالقاعدة العسكريّة كانت مخبّاة/مختبئة بعناية تحت الأرض، في قعر تلك الهضبة المقفرة.

لا تستغربوا حصول ذلك في بلد متقدم مثل الولايات المتحدة، فمجلس البحوث القومي هناك وبناء على طلب من الجيش الأميركي قام بمتابعة ومراقبة مثل هذه الظواهر الباراسيكولوجية التي كان يتم اختبارها في الاتحاد السوفييتي في الثمانينات، خشية استخدامها من قبل أعدائه لكشف أسرار قومية وعسكرية حسّاسة، وقد توصّل المعهد الأميركي للبحوث في سنة 1995 إلى أن الدراسات التي تم إجراؤها كانت «أبعد بكثير مما كانوا يتوقعونه مجرد صدف»!

لا أريد أن أتعامل مع مثل تلك الظواهر كما تعامل حسان بن تبع مع زرقاء اليمامة حين قلع عينيها وصلبها على أحد أبواب اليمامة، كل ذلك لأنها كانت تستطيع رؤية العدو على بعد ثلاثة أيام من مكانها، ولا أريد أن أكذب هذه الظاهرة كما كذب أهل اليمامة زرقاء اليمامة حين أخبرتهم أنها ترى شجراً يتحرك، ثمّ تبيّن لاحقاً أنها أغصان استخدمها قوم حسان ليضللوا زرقاء اليمامة - فكانت عاقبتهم الهزيمة والعار؛ فهنالك مساحات في العقل البشري يعجز العلم في معظم الأحيان عن إلقاء الضوء عليها وتفسيرها. في هذه الحالة يتقدم ما يعرف بعلم الباراسيكولوجي ليتكفل بهذه المهّمة ويسدّ ما يعجز العلم عن تفسيره. وسيبقى الإنسان - المغرور - الذي استطاع الغوص في أعماق المحيطات عاجزاً عن الغوص في أعماق النفس البشريّة!

al-marzooqi@hotmail.com

Twitter:@Arabiology

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر