أبواب

روح الشعر والحياة

علي العامري

الشاعر أمجد ناصر لم يتوقف عند اجتراح طريقه الخاص في القصيدة، بل إنه كتب قصيدة الإنسان بتبرعه بإحدى كليتيه إلى زوجته، وهو بذلك يؤكد نبل الشاعر الذي لا يتوقف قلبه عن الحب في الحياة، والتعبير الواقعي عنه، وليس في مجاز اللغة فقط.

أمجد ناصر وزوجته بخير، وهما مثال على تكامل المعنى في الإنسان، ومثال على الفداء والحب والمشاركة الحقيقية. جاءني صوت الشاعر من عاصمة الضباب قوياً، على الرغم من عبوره مسافات طويلة، بين لندن ودبي، ما أشاع الطمأنينة في قلبي، وأخبرني صوته قبل كلماته أنه يتعافى هو وزوجته، خصوصاً بعدما تعبا إثر الجراحة. وأراد أمجد ناصر، بهمة الشاعر والفارس والفدائي، أن يعزز الاطمئنان لدي ولدى أصدقائه الآخرين، وجاء صوته، كما عهدته يشعشع محبة وحيوية وانتصاراً للحياة، وكنت لاأزال أتذكر تلك الامسية الشعرية لصاحب «رعاة العزلة» في بيت الشعر في الشارقة قبل نحو ست سنوات، وقدمته فيها، وقرأ قصائد نثر تنبض بالروح العربية، وليس بروح الترجمة، كما تبدو قصائد بعض شعراء النثر عادة. وأكد نقاد وشعراء كثر أن أمجد ناصر يكتب قصيدة نثر عربية تماماً من غير استنساخ.

في جغرافيا الترحال، كانت خارطة الشاعر الأردني الذي يتحدر من أصول بدوية، انطلقت من مضارب أهله بني صخر في شمال الأردن، إلى بيروت، مروراً بقبرص، حتى استقر به المقام في لندن، إذ يعمل مدير تحرير لجريدة «القدس العربي». وكما «أثر العابر» يمر على الأمكنة بوصفه شاعراً وقارئاً ومتأملاً ومتفاعلاً ومعايشاً، يرصد التفاصيل اليومية، ويمزج الأزمنة في لحظة القصيدة، ليتداخل الماضي ببداوته، والماضي بثورته، والماضي بمنفاه، مع الحاضر، لتولد القصيدة المختلفة لشاعر مختلف، لايزال يغويه بئر الماء والقمر وموقد النار وصوف الماعز والشوارع المضاءة والشرفات التي تتشمس فيها اللغة والأسطورة والمرأة، كما يغويه أثر أيل أو يمامة وظلال بيت الطين. تغويه الحياة ويغويها أيضاً، تكتبه ويكتبها، تحبه ويحبها، تشاكسه ويشاكسها.

صاحب «سُر من رآكِ» يرى «الحياة كسرد متقطع» منذ «مديح لمقهى آخر» حتى «فرصة ثانية». كما يرى الشعر «جمرة ثاوية في الأعماق وليس لهباً»، ويؤكد أنه «من شعراء النار الكامنة تحت الرماد».

أمجد ناصر صاحب «الخروج من ليوا» الذي تبرع بكليته إلى زوجته، يؤكد أن الفدائي لايزال في روح الإنسان، وهو يكتب للحياة قصيدة القلب، ويكتب للقلب قصيدة الحياة.

 

alialameri@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر