أبواب

أفلام حياتي

قيس الزبيدي

تبوأ فرانسوا تروفو عرش الموجة الجديدة، وقادته درايته بتاريخ السينما إلى تحديدها، في مراحل ثلاث: الصامتة التي وقع فيها على عاتق المخرج ابتكار لغتها البصرية، وسينما الحوار التي أصبح فيها الفيلم نتاجا للمسرح والرواية، ولدور كاتب السيناريو الواضح، وتجاوز تسلط عقلية المنتجين، وسيادة ضحالتهم الفكرية، ومحاولة استعادة عافية السينما الصامتة، من خلال التصدي للسينما المعاصرة، وضربها وجعلها مضجرة ومكروهة من قبل الجمهور.

يضم كتاب تروفو «أفلام حياتي» ـ هيئة أبوظبي للثقافة والتراث/كلمة 2011 ـ نحو سدس ما كتبه حول الأفلام، أولا كناقد وثانيا كمخرج خلال الأعوام بين 1954 و.1958

يُخصص القسم الأول «السر الأكبر» لمخرجين مهمين، بدأت حياتهم المهنية مع السينما الصامتة وأكملوها في الناطقة، ويُخصص الثاني لجيل السينما الناطقة الأميركي، والثالث لجيل السينما الناطقة الفرنسي، والرابع لبعض من يسميهم تروفو «قليلي الحظ»، ويُخصص السادس لأصدقاء الموجة الجديدة، ويضم نصوصاً كتبت لتلفت الانتباه إلى أفلام صعبة لشبان نقاد، أصبحوا بعدئذ مخرجين كباراً.

نقرأ أولا مقدمة المترجم السعيد بوطاجين، التي تجد أن الكتاب يقدم إضافة نوعية للقارئ العربي الذي يهتم بالنقد السينمائي وأسرار كتابة الفيلم وصناعته. أما توطئة إمانويل بوردو رئيس تحرير دفاتر السينما، فتبين: كل الذين اتبعوا تروفو عرفوا مثله أن النقد قبلياً لا معايير له ولا معجم، لأن كل فيلم يمنح جديداً، وكل فيلم عبارة عن «بلد» يجب أن تُفهَم لغته بسرعة.

كان تروفو ناقداً مشاكساً، سموه أزعر النقد ومخرب السينما الفرنسية، حاول محاربة طواحين الهواء وأراد أن يكون منتقماً كزورو، يَذل القوي ويَعِز الضعيف: كنت دائما إلى جانب المُستَنكر ضد صفير المستِنكِر وكانت متعتي تبدأ غالباً، على عكس زملائي، عند خرق الأسلوب لدى رونوار، وعند تجاوزات أورسن ويلز وعند هفوات بانيول وعند مفارقات كوكتو وعند عُري بريسون، وكانت وظيفتي تتمثل، كرنوار، في الإطاحة بالآلهة المُزيفين وإنزالهم من عليائهم!

كنت أظن أن على الفيلم الناجح أن يُعبر عن تصور للعالم، وعن تصور للسينما في الوقت ذاته، وأنا اليوم أطلب من الفيلم الذي أشاهده أن يُعبر إما عن سعادة ممارسة السينما، أو عن القلق من ممارسة السينما.

أعرف أيضا أن الأفلام كلها تجارية، تخضع للبيع والشراء وكنت أجد بينها درجة في الاختلاف وليس في الجوهر، لكن عندما كان مخرج أميركي ما يحقق نجاحا مبهراُ عن فيلم هاجمه النقاد، كان من عادته أن يُصرح: لقد قرأت مقالاتكم صباحا، وكنت أبكي وأنا في الطريق إلى البنك لأخذ نسبتي من الأرباح!

ماذا يمكن أن يقال حول الترجمة؟

مثال: «يسمح خيال الرسام بموضعة شخصية بتصميم مكبر ثم بارزة لربطات العنق شأنها شأن الثّؤلول، الذي في أنف الشخصية في التصميم المكبر»؟ أو نقرأ اسم أينشتاين، بدلا من إيزنشتين، وفيلم «بوتامكين المنيع»، بدلا من «البارجة بوتمكين»، و«طاولة الإخراج» بدلا من «طاولة المونتاج»!

الأمثلة لا تحصى، وهي لا تبدأ من «خربطة» أسماء المخرجين وأفلامهم، ولا تنتهي عند عدم معرفة حتى المصطلحات المتداولة، بل يستمر الغموض هنا وهناك، وسببه ترجمة لم تجتهد، كفاية، في العثور على صياغة صحيحة للنص الأصلي.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر