أبواب

المبتعدون عن المهنية

سالم حميد

شهدت البلاد في الأشهر الماضية العديد من معارض الفنون التشكيلية، وأثناء تجوالي في أحد تلك المعارض شاهدت أحد النقاد يبالغ في الانتقاد للوحة رسمتها فنانة شابة، وكانت تقف أمام الناقد وقد حبست دموعها وغادرت القاعة. ثم سألته عن أعماله الفنية إن كانت موجودة في المعرض، فأجابني: «أنا ناقد فقط، ألا تعرف ما معنى الناقد؟»، سألته مجدداً: «هل سمعت عن فنان تشكيلي اسمه بيكاسو؟ وإذا كنت قد سمعت عنه، ما رأيك فيه كناقد؟». نظر إلّي بغضب وقال: «كيف تجرؤ على الاستهزاء بي؟!»، أجبته: «انتظرني هنا»، ذهبت ابحث عن الفتاة ووجدتها في قاعة أخرى، فقلت لها إن مكانها هو أمام لوحاتها، تقف بكل فخر أمام الجمهور، وعدنا إلى الناقد لنكمل حوارنا حول بيكاسو الذي عجز النقاد عن انتقاده لمجرد أن اسمه «بيكاسو»، على الرغم من أنه بنفسه اعترف قبل وفاته بأنه مارس عملية نصب على الأثرياء، الذين كانوا يقبلون على شراء لوحاته لتزيين جدرانهم ويدفعون ثروات لاقتنائها، وقال بيكاسو إن هؤلاء الناس كانوا يميلون إلى كل ما هو شاذ وغريب، فكان مثلاً يضع العين مكان الأنف، أو الأذن مكان الرجل، وهكذا، وكلما بالغ بيكاسو في غرائبه بالغ النقاد في إطراء أعماله. واختتمت قولي للناقد: مشكلة يا حضرة الناقد عندما تبتعد عن مهنيتك لتتصيد الهنات، أو ربما لأنك وجدتها شابة صغيرة فمارست قوة لقبك عليها!

وظيفة رجل الدين الأساسية، بغض النظر عن الديانة التي ينتمي إليها، هي وعظ الناس في أمور دينهم وشرحها، وتعزيز ثقافة المحبة والأخلاق الحسنة المبنية على تعاليم دينه، أما أخلاقيات الكراهية والحقد والبغض، فليس من المفترض على رجل الدين الحقيقي أن يعززها بين الناس، فهو بهذا التصرف اللا أخلاقي ابتعد عن مهنيته. وما فعله القس الأميركي تيري جونز بإحراق نسخ من القرآن الكريم، إنما هو عمل أرعن لا يمت بصلة لرجل الدين المحترم، فالاختلاف في العقيدة لا يبيح إهانة مشاعر أصحاب العقائد الأخرى، وسبق لهذا القس، إن كان يقيم أي وزن لوظيفته، أن هدد بحرق المصحف، وها هو قد نفذ تهديده بحجة اعتقال قس إيراني، والسؤال ما ذنب القرآن في اعتقال رجل دين في إيران؟!

خبر غريب قرأته أخيراً عن طبيبة أسنان بريطانية قامت بخلع كامل أسنان صديقها السابق، بسبب قطع علاقته معها وإقامته علاقة مع صديقة جديدة، وذلك عندما زارها لمعالجة سنه، حاله كحال أي مريض آخر. ولكن الطبيبة التي تجردت من مهنيتها، ولم تفصل ما بين الوظيفة والمشاعر، ولم تحترم ذلك الشخص، بغض النظر عن فعلته الشخصية، لكنه وثق باحترافيتها المهنية وسلمها أسنانه، قامت بمزج المشاعر بالعمل وأفرغت فم صديقها السابق من الأسنان بعد تخديره، والنتيجة تركته صديقته الجديدة، وقد تواجه الطبيبة حكماً بثلاث سنوات سجناً. وللأسف كثيرون في مجتمعنا يقحمون المشاعر في العمل الرسمي، ولأسباب شخصية ينقطع التعاون المهني بين موظف وآخر على أتفه الأسباب.

الخبر المحزن، طفلة وردة بالكاد أكملت عامها الأول، ماتت في مستشفى، وذلك لأن الطبيب لم يكلف نفسه التعمق في تشخيص المرض للتفريق ما بين التهاب البلعوم والتهاب السحايا!

 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر