أبواب

ثقافة التطرف ونتائجها

يوسف ضمرة

ليست مصادفة أن يتزامن صعود الثقافة اليمينية في الغرب، مع تخلي اليساريين العرب عن رؤاهم وقناعاتهم. ولم تكن استدارة هؤلاء المثقفين اليساريين اعتباطية أو عبثية، وهي التي تشكلت منذ احتلال بيروت، واكتملت دورتها مع «الربيع العربي» الذي يبدو أنه سيدوم طويلاً، ويقودنا إلى عوالم يلفها الغموض حتى الآن.

وصعود الثقافة اليمينية المتطرفة والانعزالية في الغرب، يعني بالضرورة صعود اليمين ذاته في المجتمعات الغربية، بحيث صار يهدد ثقافات أخرى، ويتربص بهويات أخرى. وقد بدأت ملامح تلك الثقافة في الظهور منذ أواخر السبعينات، مع وصول ريغان وتاتشر إلى السلطة، كما يشير الروائي أمين معلوف.

لم تكن تاتشر تؤمن بالمجتمع، وإنما بالأفراد، وهي بذلك تؤمن بمقولات بعض علماء الاجتماع الذين يركزون على دور النزعة الفردية وأهميتها في توجيه الحياة وإحداث التغييرات اللازمة. والنزعة الفردية اختراع أميركي صرف، يعود في أصله إلى مفهوم «الحلم الأميركي» الذي تُوج أخيراً بانتصار الليبرالية الديمقراطية، كما يزعم البعض.

ولا يريد مثقفو الغرب اليمينيون أن ينتبهوا إلى بعض الحقائق التي نجمت عن هذه النزعة الفردية، كالانعزال والانغلاق، والوقوع ضحية وسائل الإعلام في تشكيل الوعي، بل وفي تشكيل الهوية أيضاً. وبدلاً من أن يتحدد الوعي بالحياة، كما يقول ماركس، فإن الوعي في ثقافة النزعة الفردية يتحدد بمدى العزلة والانغلاق، لأن وسائل الإعلام التي تعتبر المصدر الرئيس والوحيد في ثقافة النزعة الفردية، ليست بريئة في أي مفصل من مفاصلها.

لقد أدى صعود الثقافة اليمينية المتطرفة إلى حصول ماري لوبان على ما يوازي نتائج اليمين ـ ساركوزي ـ ونتائج الاشتراكيين أيضاً، بفارق ضئيل جداً من النقاط. ومن يتتبع ما يحدث في الغرب منذ ما قبل الحادي عشر من سبتمبر،2001 يتمكن من تلمّس الأسباب وراء الظاهرة.

لقد شكلت مجزرة النرويج التي جاءت على خلفية ثقافية متطرفة، تتويجاً لرؤية الثقافة اليمينية في الغرب إلى الهوامش، ومثال ذلك ما فعله ساركوزي، وهو وزير للداخلية، في الضواحي الباريسية المهمشة، التي وإن كانت فرنسية الجنسية، إلا أنها بحسب الثقافة اليمينية المتطرفة تظل من الهوامش والملحقات، ما يعني أنها تظل محتفظة بمخزون هائل من الكراهية والحقد، وهو المخزون الذي خلّفه الاستعمار لهذه الشعوب من قبل.

المهم هو أن ما يترتب على صعود هذه الثقافة اليمينية المتطرفة، هو نكوص إلى الذات، وعزلة يسببها الخوف من الآخر. وهو خوف افتراضي صنعته وسائل الإعلام التي تعد الموجّه والمحرك وصانع الوعي الزائف في أغلب الأحيان. والعزلة تعني انغلاق الثقافة على ذاتها، بحيث تصل إلى مرحلة الاجترار، والإيغال في التطرف، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى تطرف مقابل لحماية الذات في الهوامش. ولم يكن غريباً أن يتزامن صعود تاتشر وريغان إلى الحكم مع تبلور «القاعدة» في الشرق. فالثقافات تخاف على ذاتها من الذوبان والهجمات المتطرفة، وهي مستعدة دائماً لسلوك التطرف نفسه في سبيل حماية ذاتها وتاريخها. وإذا كانت الثقافة الليبرالية الديمقراطية نجحت في التأثير في ثقافة الهامش إلى حد ما، فإنها نجحت أيضاً في خلق ثقافة منغلقة غير قابلة لمحاورة الآخر.

 

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر