كل جمعة
الإعلام الذي يتوسّل
يتوسل الإعلام الرسمي في العالم العربي «الإنترنت» وتقنية الاتصالات والهواتف الذكية ليعيش أطول عمر ممكن، لعله يشبه حال ذلك الرجل العجوز الذي يتأبّط ذراع حفيده الوسيم، بحثاً عن أية التفاتة في شارع عام، ويظنّ أن أي اهتمام من العابرين والعابرات يخصّه هو، أو أن له فيه نصيباً يفوق الحفيد المفعم بالشباب والحياة والاختلاف.
القنوات التلفزيونية الأرضية والفضائية ومعها الصحف الرسمية تمتلك مساحات في شبكة الإنترنت، ولها جذور في جمهوريات الحرية والانعتاق من الرقابة والقمع، أعني جمهوريات التواصل الاجتماعي، لكنها مساحات محكومة بقوانين وذهنيات، وقليلون يُحبون زيارتها، وإذا حدث، فإنما لفضول إنساني، أو لحاجة معيشية، تفرضهما سيطرة الحكومات على المعلومات المتعلقة بها واحتكارها، باعتبار أن هذا الحق هو آخر ما تبقى لها، في حين يجد الناس ما يريدونه على الـ«فيس بوك»، وينشرون آراءهم وأخبارهم، وسط مئات الملايين المنتشرين على موقعي «تويتر» أو «يوتيوب».. ولا رقابة.
هذا هو مأزق الإعلام الرسمي، فقد أسقطت «الإنترنت» بالضربة القاضية دوره الرقابي، ومهما حاول أن يستعير لغة العالم الجديد، فلن ينجح، ما دام المحتوى قابعاً في مفاهيمه القديمة وأساليبه الجامدة، لذلك تتحول تلفزة الحكومات وإذاعاتها وصحفها إلى مؤسسات تمتص فائض البطالة، ويوشك كثير منها أن يتحول إلى متاحف تُؤرّخ مرحلة الإعلام الرسمي في ما قبل ثورة «الإنترنت» ومعرفتها الجديدة المتجددة.
من الندرة أن تجد محطة تلفزيونية أو صحيفة رسمية عربية ناجحة على شبكة الإنترنت، الحالة العامة أن القراء يتوجهون إلى المواقع الإلكترونية أو مواقع صحف المعارضة أو المساحات المستقلة على «الإنترنت»، وفي كل الأحوال يتصفحون باستمرار الـ«فيس بوك»، و«تويتر»، ويشاهدون الـ«يوتيوب»، الاستثناءات قليلة جداً من المحيط إلى الخليج، وربما في بعض دول الخليج العربي، خصوصاً في الإمارات، حيث يتصدر موقع «الإمارات اليوم» الإلكتروني التصفح والزيارة والمرجعية الإخبارية، مع أن الصحيفة تصدر عن مؤسسة «دبي للإعلام» الحكومية.
لكن تجربة «الإمارات اليوم» في الاستثناء تماماً، وتتعلق أصلاً بأن نسختها الورقية لا تعطي قراءها الانطباع الذهني الجاهز عن مطبوعة رسمية صارمة في هوامشها، وغير منفتحة على هموم المجتمع وقضاياه، وتالياً فإن حضورها على «الإنترنت» أو في مواقع التواصل الاجتماعي طبيعي، ويناسب المزاج الجديد لمستهلكي المعلومات والمعرفة على «الإنترنت».
لذلك، فإن الإعلام الرسمي أمام خيارات محدودة، ليس من بينها أنه سيعيش عقوداً إضافية، متشبثاً بصحة هزيلة، يستطيع أن يستفيد من الانفتاح، ويخفف الرقابة إلى أدنى حدّ ممكن، ويتجاوز نظرية العتمة والتعتيم البالية التي أغرقت بلداناً في الفوضى والخراب. ليكن مصدر الأخبار أولاً. التخلّي عن هذا الدور لا يفيد أبداً، فثمة مَنْ يذيع وينشر الخبر، وربما على هواه، أو بما تقتضيه مصلحته، بحيث تفقد الحكومات السيطرة تماماً، ويصبح إعلامها عديم الجدوى، على نحو أكثر سوءاً.
الأمر لا يحتاج إلى معجزة، ولا يحتاج إلى مزيد من الإنكار، الانفتاح لن يتوقف أبداً، ولديه قوة لا حدود لها في اختراق الأقفال، ومهما ظنّ الفولاذ ذلك، فهو لا يقوى على مُعاندةِ مفتاحٍ صغير.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .