أبواب

البحث عن نظرية في كتاب ثالث

قيس الزبيدي

احتفت الجزيرة الوثائقية في مهرجان الجزيرة السينمائي التسجيلي الثامن، الذي أقيم من 19 إلى 22 أبريل الجاري، بإصدار الكتاب الثالث «الفيلم الوثائقي العربي.. محاولة في التأسيس»، الذي تسنت لي كتابة مقدمته، والكتاب يتألف من محاور أربعة: الأول للفيلم الوثائقيّ العربيّ: محاولة في النّشأة والبدايات، والثاني بعنوان «تجارب وثائقيّة عربيّة»، وجاء الثالث بعنوان «نحو نظريّة نقديّة للفيلم الوثائقي»، وحمل الرابع عنوان «آفاق بحثيّة في الوثائقيّ والتّوثيق العربي». وتأتي أهمية دراساته الـ25 من أن مؤلفيه يعودون في أبحاثهم إلى مراجع أكاديمية عربية وعالمية يتجاوز عددها الـ160 مصدراً، وهو ما يُقيم وشائج الصلة بين آرائهم المختلفة، وبين آراء باحثين ومؤلفين عالميين، وتضع دراساتهم أمام تجارب الجيل الجديد من السينمائيين كنزاً من المعارف، قد تستعمل معادنه الذهبية في النظرية، وقد تستعمل معادنه الفضية في الممارسة؟

تنطلق المفاهيم النظرية الحديثة من منهجية حديثة حول أهداف الفيلم الوثائقي الأساسية، التي تستند إلى تنوع أنماطه وتكشف إمكانات متنوعة ومختلطة لصنعه، دون أن تتنكر لتياراته الكلاسيكية بل تضيف إلى تنوعه تصنيفات لأربعة تيارات هي .1 التسجيل والكشف والحفظ، .2 الإقناع أو التشجيع، .3 التحليل أو الاستنطاق، .4 التعبير.

هناك من يقترح أيضا في تصنيف الفيلم الوثائقي ستة تيارات أخرى، ويعتمد مخططاً ثبته الباحث المخضرم بيل نيكولس في كتابه «مقدمة في الفيلم التسجيلي»، من دون أن يعني إرجاع أنواعه وأنماطه إلى شجرة «عائلية» واحدة، بل يقترح الكيفية التي تمتلك فيها خواص أنواعه المميزة، وينطلق في تعريفه ليس مما تم إنجازه في الماضي، بل من مقابلته بما يتم انجازه في الحاضر وذلك كالآتي:

.1الوثائقي الشاعري، .2 الوثائقي الإيضاحي، .3 الوثائقي الرصدي، .4 الوثائقي التشاركي، .5 الوثائقي الانعكاسي، .6 الوثائقي الأدائي. ولا شك في أن هذا التصنيف لا يمكنه أن يلزمنا بشكل «هجين» شائع يتشكل من أسلوب شكلين أو من أساليب أشكال عدة، تنتمي إلى تيارات فنية مختلفة، بل يمكن أن يتشكل من «أسلوب» واحد يهيمن في بنيته الفنية على «أساليب» مجاورة متعددة.

تبقى أمامنا إشكالية جديدة لا يمكن تجاوزها إلا عبر عملية استمرارنا في الوطن العربي، سينمائيين ونقاداً، في البحث النظري الجدلي في جوهر الفيلم التسجيلي/الوثائقي وطبيعته والبحث في المتغيرات الجديدة التي طرأت على عملية إنتاجه وبثه في عصر الإلكترونيات.

مع انطلاقة قناة «الجزيرة الوثائقية» في الأول من يناير ،2007 أصبحت الفضائية العربية الأولى للفيلم الوثائقي وبدأت عملية استقطاب نخبة من النقاد والسينمائيين ليعدوا دراساتهم وأبحاثهم لنشرها في العدد الأول من مجلتها الوثائقية الالكترونية في مطلع عام .2009 وبادرت بعد السنة الأولى لإعداد مجموعة من تلك الدراسات وطبعتها في كتاب صدر في عام .2010 واستمرت من وقتها تجربة فريدة يتم فيها نقل دراسات وأبحاث من المجلة الالكترونية لتطبع خلال كل سنة في كتاب، بحيث أصبح لدينا حتى الآن ثلاثة كتب، تبدو كما لو أنها صدرت حقا عن «مختبر» أبحاث عربي، يسعى لوضع «نظرية» معرفية كاملة ليس فقط لكل من يمارس حرفية السينما، وإنما لكل من يمارس النقد ويشاهد الأفلام وحتى لكل من ينتجها عربياً.

 

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر