أبواب

اقرأ

سالم حميد

رواية «دون كيخوت دي لامانتشا» لمؤلفها الإسباني ميغيل دي سيرفانتس، ليست مجرد رواية بالنسبة للإسبان، بل أيقونة، يعتبرونها فخر الأدب الإسباني، على الرغم من مرور أكثر من أربعة قرون على صدور الطبعة الأولى من الرواية عام ،1605 وفي وسط العاصمة الإسبانية مدريد تجد نصباً تذكارياً يكرم الرواية ومؤلفها سيرفانتس، وهو عبارة عن تمثالين، أحدهما يمثل شخصية «دون كيخوت» الطويل النحيل وهو بكامل عدته العسكرية، والتمثال الآخر لرفيقه الفلاح البسيط «سانشوا بانزا» وهو على حماره، ويكتظ ذلك المَعَلم الجميل بالسياح من حول العالم لمشاهدة تلك الشخصيتين الظريفتين اللتين ابتكرهما سيرفانتس، الذي هو نفسه لو كان على قيد الحياة لما صدق ما حققته روايته من شهرة على مدى تلك القرون، أدت إلى تخصيص احتفالية سنوية يوم 23 أبريل من كل عام تحت عنوان «اليوم العالمي للكتاب»، وهو اليوم الذي يصادف وفاته عام ،1616 وشهد عام 1925 أول احتفالية للكتاب في إسبانيا تكريماً له، ولم تتبن منظمة اليونسكو هذا اليوم للكتاب إلا في عام .1995

لم يبدأ سيرفانتس الكتابة إلا عندما أحيل إلى التقاعد من عمله العسكري، فجرب حظه في الكتابة الأدبية، فكان عُرضة للسخرية في الوسط الأدبي كونه غير معروف، وقام بتأليف أعمال عدة وصفها الإسبان بالفاشلة، لكن ذلك الفشل لم يثنِه عن الاستمرارية، حتى فجّر قنبلة «دون كيخوت» عام ،1605 أصيب معها ذلك الوسط الذي سخر منه بالذهول من نجاحها، ما دفع الكاتب إلى تأليف جزئية ثانية من الرواية، عكف على كتابتها لسنوات عدة، وأصدرها عام ،1615 أي قبل وفاته بعام واحد. وبرواية ناجحة واحدة فقط لهذا الأديب استطاع أن يمحو من التاريخ أسماء جميع الأعمال التي لم تحقق له نجاحاً. بالفعل، سيرفانتس نموذج للشخص الذي لم يحزن على فشله، طالما أن محاولاته للوقوف من جديد مستمرة، فوحده الفاشل من يبقى حيث سقط.

إن أول تكليف تلقاه الرسول، صلى الله عليه وسلم، من الله تعالى هو القراءة، ومن بين جميع الكلمات استهل الله القرآن بكلمة «اقرأ»، لأن القراءة إنما نقطة البداية نحو كل عمل عظيم وغرض جليل، فسبحان {الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم}، وكما أن الجسد بحاجة إلى غذاء كي ينمو، العقل أيضاً كي ينمو بحاجة إلى مطالعة وقراءة.

أعطاني شاب مسرحي نصاً مسرحياً، قام بتأليفه ويرغب في معرفة رأيي فيه، وقبل أن أتسلم النسخة منه سألته عن عدد النصوص المسرحية التي قام بقراءتها قبل أن يكتب نصه، فأجابني بأنه لم يقرأ شيئاً، ولكنه اكتسب خبرة من تلك الأدوار القليلة التي قام بتأديتها على خشبة المسرح، فأجبته «لا يكفي! فأساس الكتابة هو القراءة، وأنت مثل من يريد بناء منزل بلا أساس! سينهار فوراً»، ثم نصحته بقراءة بعض النصوص المسرحية المجدية أولاً، واستيعاب كل كلمة فيها، وبعد مرور عام على ذلك الموقف، شكرني الشاب على النصيحة وأخبرني بأنه ألغى ذلك النص تماماً بعد تمعنه في القراءة، وقدم عملاً آخر أكثر احترافية. شاب آخر سألني «ما أفضل طريقة لتعلم الكتابة؟»، أجبته: القراءة ثم القراءة وأخيراً القراءة.

 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر