كل جمعة
أكاذيب مميتة
لا حلّ في سورية، أعني لا بوادر، ولا وصفة مقبولة، ولا فرصة ممكنة، مع بقاء النظام، بغروره البعثيّ والطائفي، وبكامل جيشه وشبيحته المسلحين في دمشق، وغير المسلحين في الشام وعمّان وبيروت، وقدرته الأسطورية على «الممانعة والمقاومة».. وتحرير الجولان، بدءاً من حمص وحماة وإدلب.
هذه صورة من ريف دمشق: سوريون يحتشدون حول سيارة للمراقبين الدوليين، وقد نجح أحدهم في إلصاق لافتة عليها، تنص على أن «السفاح مستمر بالقتل.. المراقبون مستمرون بالمراقبة، والشعب مستمر بثورته».
يفهم من كتب هذه اللافتة ما يحدث في بلاده بدقة وذكاء، يفهم أن أبرز ما تشهده سورية اليوم هو حال مستمرة، سببها الأول والأخير أن القتل لم يتوقف، فلم يمر يوم واحد من دون سقوط طفل أو امرأة أو انهيار منزل على عائلة، والهدنة لم تتحقق على الأرض فعلاً، بل إن عدد القتلى تزايد في الأيام الأربعة الماضية.
لا حلّ في سورية، بعد أكثر من 11 ألف قتيل، ثلثهم من الأطفال والفتيان والنساء، ومهزلة المراقبين الدوليين تبعث على عميق التشاؤم والأسى، فعددهم إن وصل الى منتهاه، أي 250 مراقباً، فهو لا يكفي لرصد وقف النار وتحديد المسؤولية بين قريتين صغيرتين، وإذا حدث المستحيل، وقرر مجلس الأمن أن يرفع عدد المراقبين إلى مليون، فإن مجموعات مسلحة ستظلّ تطلّ من بين البيوت وتطلق النار على كتائب النظام وشبيحته، ما يتطلب الرد بشراسة، وتحميل المسلحين المفترضين المسؤولية والنتيجة.
لا حل للكارثة التي يعيش فيها الشعب السوري منذ أكثر من 41 عاماً. العالم لن يتدخل عسكرياً، ويُسقط هذا النظام، طبقاً للسيناريو الليبي. العالم يبحث عن مصالحه، و«الناتو» ليس أكثر من شركة، تحتاج إلى من يدفع فواتير خدماتها.
الجيش الحرّ لا يستطيع ببنادقه ووسائله البدائية أن يهزم جيشاً مدججاً بالسلاح الروسي، ولديه تزويدٌ وإسناد مستمران من روسيا وإيران، وقد فات الأوان لتعود الثورة الشعبية إلى أشهرها الأولى سلميّةً خالصة، فحتى هذا الخيار لم ينجح مع الكتائب الطائفية، وأهل درعا يعرفون كيف كان الأمن السوري يرمي الأسلحة فوق المنازل، وبين الأحياء السكنية، ليبرر اجتياحها وقتل الناس، قبل أكثر من عام.
يملك النظام السوري خبرة طويلة في الكذب، ولديه إعلام مدرّب جيداً على ذلك، وهو لم يعترف حتى الآن بأنه ارتكب أخطاء. كل سلوك أمني في منطقة مضطربة في العالم يحتمل أخطاء، لكن هذا لم يحدث في سورية. فهنا يواصل النظام قتل شعب، لأنه يريد إسقاط عصابة طائفية، وبناء دولة مدنية ديمقراطية.
وما لا يمكن إخفاؤه في سورية الآن، ولا في الإعلام العربي والعالمي، أن النظام يمارس حرب إبادة ضارية، لدوافع طائفية واضحة، ويجد دعماً متواصلاً من مراكز طائفية في جواره، ولذلك فلا تسوية محتملة في قادم الأيام، مهمة المراقبين فاشلة حتى قبل أن تبدأ، والنظام يدير مناورات سياسية مع المجتمع الدولي. يقول كل ما يصلح لعناوين صحف دمشق وطهران ونشرات محطتي الدنيا والمنار، وعلى الأرض يمارس كل ما يناقض الأخلاق والقيم الإنسانية.
لكنّ العالم أشدّ عماءً من أن يرى جريمة الشبيحة في حلب، الجمعة الماضية، حين كان الطفل يسأل أباه أن يسامحه قبل أن يموت.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .