أبواب

دولة المشاغبين

محمد المرزوقي

تبدو الوعكة السياسية التي أصابت الجمهورية الإيرانية منذ الثورة الخمينية - وازدادت سوءاً في عهد الرئيس أحمدي نجاد - وجعلتها «تحتضر» بدل أن «تتحضر»، نتيجة منطقية وطبيعية للمشاغبات السياسية التي يمارسها رجال السياسة والدين في إيران. وهذه الوعكة ستشتد - بلا شك - مع ازدياد تعنّت محمود أحمدي نجاد وإصرار المرشد الأعلى للثورة على إدارة العالم من خلف منبره في الحوزة الدّينيّة.

قد لا يأتي المرء بما هو جديد حين يتحدث عن زيارة الرئيس الإيراني الاستفزازية لجزيرة أبوموسى، فمشاغبات الرجل لا تتوقف، وما يكاد ينتهي من إثارة السخط - على نظامه - في دولة ما، حتى تجده قد ألحقها بمشاغبة/استفزاز في دولة أخرى.. وهكذا دواليك.

وقد ضحكنا بملء أشداقنا قبل سنوات عندما سعت إيران - المغضوب عليها دولياً - للحصول على مقعد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فرغبة إيران للترشح في مجلس يفرض عليها عقوبات بسبب برنامجها النووي، ووصفه رئيسها المشاغب أكثر من مرة بأنه مجلس «شيطاني» وأعضاءه «حفنة من الأقزام»، ليس سوى مشاغبة أضحكت العالم على نجاد ودولته، فمن العبث أن تسأل الآخرين الانضمام إلى منظمة تصنع السلام ما لم تكن أنت في حالة سلام مع نفسك ومع جيرانك.

أما زيارة نجاد لجزيرة أبوموسى الإماراتية، في وقت تعاني إيران انهياراً اقتصادياً، وتضييقاً سياسياً، واختراقاً أمنياً، فقد أظهرت مدى سذاجة الرجل وعدم اتزان عقله، ويبدو أن الرئيس الإيراني لا يرغب في الكف عن إحداث الشغب قبل أن يدفع بلاده - المتهاوية أصلا - إلى قعر الهاوية، فهذه عادة السياسيين الأشاوس في الدول التي تحكمها أنظمة توتاليتارية!

ربما يكون عذر نجاد في عدم القدرة على تقييم الأمور والتصرف بشكلٍ طبيعي هو أنه يعيش في أجواء خيالية، حيث الأساطير والحواديت والقصص الميثولوجية، فالرجل صرح أكثر من مرة، وفي أكثر من خطاب أن «الإمام المهدي الغائب هو الذي يدير ويدبر شؤون الجمهورية الإسلامية»، وأنه «يلتقي به - أي بالمهدي - أسبوعياً»!

لا أعرف حقيقة إن كان أحمدي نجاد يريد التنصل من أخطاء حكومته وفشلها السياسي بإلقاء مصائب إيران على رأس «المهدي المنتظر»، لكن ما أعلمه أن هذه المفردات عديمة الصلة بالسياسة، ولا تصلح أن تقال إلا في خطبة دينية أو في مسرحية كوميدية، أما عندما تصدر عن رجل دولة فهي ليست سوى دليل على إفلاس سياسي حاد في دولة ترك سياسيوها الاشتغال بالسياسة، بكل مفرداتها المدنية والعصرية، وانشغلوا بإثارة الشغب.

ونحن عندما ننظر إلى زيارة أحمدي نجاد لجزيرة أبوموسى الإماراتية على أنها دليل على اضطراب سياسي يدفعه إلى إحداث الأذى للآخرين عن طريق خداعهم، نكون قد نظرنا إلى جزء من الحقيقة فقط، أما الجزء الآخر فهو ما يعانيه نجاد من اضطراب نفسي يتضح جلياً في خطاباته وممارساته التي ذكرنا بعضاً من أبعاضها. فلا نستبعد كنتيجة لهذا الاضطراب أن يبرر نجاد -غداً - زيارته المستفزة تلك بأنها كانت للبحث عن المهدي المنتظر في أبوموسى!

al-marzooqi@hotmail.com 

twitter: @Arabiology

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر