في الحدث

«هجليج مقابل أبيي»!

جعفر محمد أحمد

أن يصل التحدي والجرأة برئيس دولة جنوب السودان الوليدة سلفا كير، إلى رفض دعوات المجتمع الدولي للانسحاب من منطقة هجليج النفطية الواقعة في الأراضي السودانية، والرد هاتفياً على الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بالقول «لست تحت أوامرك»، والإصرار على رفض اعطاء الأوامر لجيشه بالانسحاب من هجليج النفطية، والذهاب الى أبعد من ذلك بإعلان نيته إرسال جيش الجنوب إلى منطقة أبيي المتنازع عليها مع السودان في حال لم تنجح المنظمة الدولية في إخلائها من القوات السودانية، يفضح نوايا سلفا كير وتطلعاته الى المزيد من التنازلات من قبل الحكومة السودانية التي جعلت منه رئيساً ونقلته من «الغابة» الى القصر، وهي صدمة لايزال تحت تأثيرها وغير مصدق أنه أصبح بين عشية وضحاها وفي غفلة من «الخرطوم» لا الزمن، صاحب أمر ونهي، ورئيس دولة، لم يجف بعد الحبر الذي كتب به اسمها في قائمة الأمم المتحدة.

هذا التحدي «السلفا كيري» وسلسلة الشروط التي وضعتها حكومة الجنوب للخرطوم للانسحاب من هجليج، يؤكد أن الاستراتيجية العسكرية للحركة الشعبية الجنوبية (سابقاً)، والتي انتهجتها على مدى ثلاتة عقود من الزمان منذ نشأتها كحركة تمرد تقاتل القوات المسلحة السودانية منذ عام ،1983 لم تتغير أبداً، ففي كل المفاوضات السياسية السابقة، كانت الحركة تسعى لاحتلال رقعة استراتيجية مهمة لتعزيز موقفها التفاوضي، وحتى اتفاق نيفاشا عام 2005 الذي أسس للانفصال، فاجأت الحركة الشارع السوداني والحكومة نفسها باحتلال توريت بينما الطرفان يستعدان للتوقيع النهائي على الاتفاقية.

إن احتلال القوات الجنوبية منطقة هجليج بعد أشهرمن التجاذب بين جوبا والخرطوم، هو تصعيد خطير يهدد بإعادة فتح بؤرة توتر بين الشمال والجنوب، ظلت ملتهبة لسنوات وخلفت ملايين الضحايا بين قتلى وجرحى ومشرّدين.

هذه الحرب الجديدة تكشف انخداع السودان بصفقة التقسيم التي تمت تحت شعار إنهاء مأساة الحرب، لكن الحقيقة المرة ان السودان خسر عملياً الجزء الأكثر ثراء من خريطته والقسم الأهم من وارداته دون أن يتحقق السلام، لا مع الجنوب ولا في مناطق سودانية أخرى لا يستبعد أن تنتقل إليها عدوى الانفصال.

نخشى أن يكون الهدف الذي تسعى حكومة الجنوب لتحقيقه من خلال احتلالها لهجليج النفطية، وهي ليست موضع نزاع مثل أبيي، هو التفاوض والمقايضة مع الخرطوم، أي هجليج مقابل أبيي، هذا الهدف الجنوبي يرمي الى توريط الخرطوم مجدداً والحصول منها على تنازلات جديدة، وان تحقق هذا الهدف وان كان مستبعداً، فإنه يفتح جبهة جديدة ضد الشمال، فيما لو قبلت حكومة البشير هذه التسوية «هجليج مقابل ابيي»، حيث يعني لقبائل المسيرية أنها فرطت وباعت أبيي مقابل هجليج، وبهذه الخطوة تكون جوبا قد نجحت في تحريض أبناء قبائل التماس بأن الخرطوم قد باعتهم مقابل نفط هجليج، وفتحت بؤرة نزاع جديدة هدفها تمزيق أوصال السودان وتقسيمه تحت ستار «مناصرة المهمشين» لنيل حقوقهم، وما يحدث حالياً في جبال النوبة والنيل الأزرق، والآن في هجليج هو المعركة الفعلية الأولى في حرب الجنوب الجديد التي بشرت بها قيادات الحركة الشعبية قبيل حزم أمتعتهم ومغادرتهم الخرطوم إلى دولتهم الوليدة.

 

jaafar438@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر