أبواب

تجليات الغرابة في الأدب

قيس الزبيدي

فاز الدكتور شاكر عبدالحميد بجائزة الشيخ زايد للفنون، في دورتها السادسة عن كتابه «الفن والغرابة»، الذي صدر عن مكتبة الأسرة في القاهرة عام .2010 وقد سبق للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب أن أصدر له سبعة كتب، كان آخرها كتابه الثامن «الغرابة.. المفهوم وتجلياته الأدب» في سلسلة عالم المعرفة في يناير من هذا العام. وهو دراسة تتألف من تسعة فصول يحدد الفصل الأول منها معنى الغرابة تحديداً لغوياً وفلسفياً وسيكولوجياً، ويطرح في الثاني بعض التصورات حول الغرابة في القصة والرواية، ويركز في الثالث على العلاقات الموجودة بين إحساسات الخوف والرعب وبين الإحساس بالغربة، ويتناول الرابع مفهوم الذات وما يصاحبها من مشاعر الاختلال والمرض، ويركز في الخامس على الجذور الفلسفية والأدبية لفكرة الازدواج، ويشرح في السادس فكرة القرين في الأدب ويتحدث في السابع عن روح المكان وعن مفاهيم الأشباح وعلاقتها بالغرابة، ويترجم في الثامن قصة «رجل الرمال» للألماني هوفمان التي قامت على أساسها، حسب المؤلف، جميع أفكار فرويد حول مصطلح الغرابة Das Unheimliche الذي يعني بالألمانية «حاجة الإنسان إلى أن يجسد خوفه في أشكال غير طبيعية»، ويخصص التاسع لمناقشة بعض الدراسات النقدية الحديثة حول القصة المترجمة.

لا شك في أن فكرة الكتاب المركزية هي البحث عن مصطلح الغرابة، للوصول إلى مفهوم يُستخدَم كمفتاح يلج المؤلف بوساطته عالم الغرابة وتجلياته في الأدب، لكن يبدو لنا أن بحثه العسير يصل به، بعد أن يستعين في رحلة طويلة بمصادر عربية وإنجليزية عددها نحو 180 مصدراً إلى مفهوم غامض هو، حسب فرويد، متعدد الأبعاد ومركّب المعاني ومتنوع الدلالات.

يخصص المؤلف «توطئة» لتعريف المصطلح في أكثر من 40 صفحة، إضافة إلى أنه يعود في فصول الكتاب الأخرى ليضيف إليه معاني أخرى لا تحصى، ويكرس بتعريفه للغرابة صفحات كتابه كلها لنصل معه كقراء إلى متاهة، يبدو فيها من يقرأ كأنه «قد» عرف ما الغرابة، لكنه لا يكون «قد» عرفها.

ينوع المؤلف بالرجوع إلى مصطلحات الأدب والفلسفة وعلم النفس، ويقارن بين مفاهيم مختلفة لا نهائية، ما يجعل من مفهومه نفسه إشكالياً، فمثلاً ليس هناك بين مصطلح بريشت ولا مصطلح ماركس تحديداً أي علاقة بمفهوم الغرابة، لهذا لا يبدو من المناسب في الدقة أن يعرف مفهوم «التغريب البريشتي» المبتكر في الألمانية على أنه اغتراب أو انسلاخ، وأنه مجرد تقنية ابتدعها بريشت، كذلك لا يصح أن يعرف مفهوم ماركس Enfremdun اغتراب، وتُسمّى صفته «مغترباً»، بينما مصدرها يعني «الاستلاب».

من الواضح أن مسعى المؤلف هو استخدام مفهوم الغرابة كمفتاح في تحليله لحالات تجلياته في القصص، كما في «ألف ليلة وليلة»، أو في رواية «المسخ» لكافكا، أو في القصة التي يترجمها لهوفمان أو في «القط الأسود» لآلن بو، أو في «دكتور جيكل»، و«مستر هايد» لستيفنسون و..و..و..

يقول الملك لير: في هذا الطريق يكمن الجنون. والجنون هنا هو حرية الخيال، وإذ تنجح «عملية» التحليل العقلانية في تفسير اللاعقلانية في سرد الحكايات العجائبية بشكل مراوغ وممتع لحد الإدهاش، يبقى المصطلح «المريض» معرضا لخطر الموت؟

 

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر