أبواب

غداً ستولد دولة جديدة

قيس الزبيدي

«الطريق إلى المستقبل هو دائماً قيد الإنشاء».  

نقش قديم

 

«إن الذين يعلقون بأخاديد الماضي سيركنون إلى الألفاظ، ولا ننسى أن الفرق الوحيد بين الأخدود والقبر هو عمق الحفرة».

 

كتب هيغل قبل قرنين من الزمان عن السلطان والعبودية، واللحمة القوية التي تربطهما، فالعبودية تذل السلطان والعبد معاً، بحيث يصبح السَجّان نفسه أسيراً في سجنه، لأنه لا يستطيع التحرر من قمع الناس واحتجازهم.

بعد شهر من خلافة التمساح العجوز الرئيس بوتا في زعامة الحزب الوطني انتخب دو كْلِرك زعيماً للحزب الوطني في 2 فبراير عام ،1989 ووفقاً للنظام الذي ينص على أن رئيس أقوى حزب سياسي هو الذي يتولى رئاسة الحكومة، فقد نصب رئيساً في 20 سبتمبر عام .1989

أطلق سراح نلسن مانديلا أشهر السجناء السياسيين في العالم والمعلم الأبرز لشعبه بعد تسعة أيام من خطاب الرئيس المُنتخب دو كْلِرك في الـ11 من فبراير عام ،1990 وشاهد الحدث على التلفاز عشرات الملايين حول العالم، سار مانديلا بعد 27 سنة قضاها في السجون بمشيته المتصلبة كعجوز عبر بوابات سجن فِكتُر فرستر وانطلق إلى الحرية.

قال دو كْلِرك: «إن الانتخابات وضعت دولتنا من دون رجعة على طريق التغيير الجذري». وقال مانديلا، بعدئذ: «يا الهي! لم أكن أتوقع أن أجد كل هؤلاء الناس بانتظاري».

ما حكاية هذا الخطاب الذي أطلق المارد من القمقم؟

يبدو أن سبتمبر عام 1989 كان نقطة تحول دو كْلِرك إلى ذروته في لحظة وجد فيها الشجاعة لتنفيذ سلسلة من الإصلاحات لكسر الجمود ونشر الاضطراب في صفوف خصومه، وأعلن قراره بإطلاق سراح مانديلا ورفع الحظر عن الحزب الشيوعي والمؤتمر الوطني الإفريقي وبدء المفاوضات معه.

سار الرئيس المنتخب دو كْلِرك إلى المنصة لإلقاء خطبته المؤثرة التي أبقي نصها سراً، وضرب بقدمه اليمنى على الأرض وقلب رأساً على عقب ثلاثة قرون من الاستبداد، وأنهى فكرة الافريكان البيض القديمة التي كانت تؤمن أن الرب هو الذي وهبهم الوطن الذي حكموه بمسدس في يد والكتاب المقدس في اليد الأخرى.

كانت خطبة الـ35 دقيقة في الثاني من فبراير بالنسبة للعلاقات العرقية السائدة تشابه تماماً سقوط جدار برلين بالنسبة للشيوعية، لأنها رمزت لنهاية حكم آخر أقلية عنصرية في العالم. فهي أطلقت قوى استطاعت خلال أربع سنوات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية في مايو 1994 لتحكم البلاد حتى الانتخابات العامة المقبلة عام ،1999 وبعدها يسقط الائتلاف الإجباري، ووصلت الأغلبية السوداء إلى الحكم في دولة جديدة بدستور آخر وعلم آخر ونشيد وطني آخر.

ظهر فقط الآن «غداً ستولد دولة جديدة» كتاب ألِستر سباركس/دار قدمس/دمشق، وهو يروي حكاية مُوثقة مذهلة عن التقاء قوى الصراع في جنوب إفريقيا التي أنجزت في مؤتمر وطني جامع ثورة عن طريق التفاوض، نقلت البلاد من نظام الأبارتيد إلى ديمقراطية لا عرقية في عملية تُعد واحدة من أهم الأحداث السياسية في العقد الأخير من القرن العشرين. انسحب إذنْ دو كْلِرك من التاريخ، لكنه يعود ويدخله مرة أخرى زعيماً فاوض بحق على خروجه كرئيس من السلطة.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر