أبواب

العلم في الصغر

سالم حميد

تكثر الفعاليات الثقافية والفنية في البلاد في فصلي الشتاء والربيع، وشهدت الإمارات خلال الأشهر القليلة الماضية فعاليات ثقافية جميلة عدة، منها عروض الفلكلور الشيشانية التي استضافتها هيئة دبي للثقافة والفنون على مسرح ندوة الثقافة والعلوم، مساء الإثنين الماضي، بالتعاون مع وزارة الثقافة الشيشانية، وبحضور رمضان قاديروف رئيس جمهورية الشيشان، وقدمت العرض فرقتان، الأولى فرقة الرقص الوطنية «فانيخ»، والثانية فرقة الغناء والرقص للأطفال «داكموخ»، والعجيب في العرض مدى الإبداع الاستعراضي الذي قدمه الأطفال بقيادة طفل يبلغ من العمر خمس سنوات تقريباً، لكنه كان مبدعاً للغاية، وجسده الغض لم يمنعه من أداء رقصات وحركات صعبة، أشعرتنا نحن المشاهدين بأن جسده بلا عظام! وحسب ما رأيت، كان الأطفال من الأولاد والبنات لا يقلون احترافية عن أداء الكبار من رجال ونساء.

لم أكن أعلم بأن وزير الثقافة الشيشاني ديكالو موزاكاييف يجلس بجواري، وهو يُعد في الشيشان، حسب ما سمعت، أحد كبار المدربين للرقص الفلكلوري الشيشاني، ولعب دوراً كبيراً من أجل إيصال فنونهم التقليدية إلى العالمية، بعد أن تم مزجها بالحداثة، وهو من أشرف فنياً على تلك العروض التي شاهدناها، وكان راقصاً سابقاً في الفرقة في شبابه، وليس وحده وزير الثقافة من يجيد الرقص التقليدي في الشيشان، بل حتى الرئيس الشيشاني قاديروف يجيده أيضاً وباحترافية، فقد تم عرض «كليب» تلفزيوني لقاديروف وهو يشارك الراقصين أداء إحدى اللوحات، وهو باللباس التقليدي، وبحسب قول الوزير الشيشاني، فقد خسرت الشيشان الكثير من الخصائص التقليدية بسبب الحروب التي حلّت على بلاده، فكان لابد من الحفاظ على تراث يفتخرون به ويمثل هويتهم. إذاً ليس من المستغرب أن تجد أغلب الشيشانيين يجيدون أداء رقصاتهم التقليدية، فالرقص التقليدي والعادات والتقاليد الشيشانية مادة رئيسة في مناهجهم الدراسية، ولم تستطع وزارة الثقافة الشيشانية وحدها ممارسة الحفاظ على تراثها لولا مشاركة وزارة التعليم في تدريب وترغيب الأبناء في حب تراثهم، وهذا ما نفتقده نحن.

مساء الأحد الماضي استضفنا أيضاً على مسرح مؤسسة سلطان العويس الثقافية ليلة ثقافية من أوزبكستان، اشتملت على عرض لمخطوطاتهم القديمة ولوحات فنية قدمها الكبار بمشاركة الأطفال، وكان الأطفال في غاية التمكن من أداء رقصات وقرع على الطبول باحترافية، رغم صغر سنهم، ووقوفهم نداً قوياً لا يقل احترافية أمام الفنانين الكبار! من علّمهم؟ لا أعتقد أن أية مؤسسة ثقافية قادرة على تعليم الأطفال تلك الاحترافية، وفي فترة قصيرة، ما لم يكونوا قد تلقوا تدريباً مسبقاً في مدارسهم بمراحلهم الابتدائية، فذلك الطفل الشيشاني ذو الخمسة أعوام أبهرنا بأدائه القوي الذي نال إعجاب الجميع، فالمدرسة التي يدرس فيها لم تعلمه المواد التعليمية الاعتيادية فقط، بل علمته أيضاً فخر الثقافة الشيشانية.

إن أغلب الفرق الشعبية التي تقوم بأداء فنوننا الشعبية في فعالياتنا الترويجية المتنوعة هي من الخارج وليس من الداخل، والسبب يعود إلى ارتفاع كلفة الفرق الشعبية المحلية، وثانياً لقلة عدد المؤدّين المواطنين، وعدم قدرتهم على تغطية الفعاليات كافة في فصل الشتاء، ولا أعتقد أن الدوائر الثقافية المحلية هي المسؤولة عن هذا النقص وحدها، فـ«العلم في الصغر كالنقش على الحجر».

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر