كل يوم

مجالات الصدقة الجارية!

سامي الريامي

لسنا في معرض مناقشة أهمية تشييد المساجد، فهذا أمر لا نقاش فيه ولا جدال، وللمساجد أهمية وقدسية، ويجب أن تكون متوافرة في المناطق ذات الكثافة السكانية في الدولة كافة، لكن مسألة اقتصار النظرة الوقفية على تشييد المساجد فقط، بغض النظر عن حاجة أهل المنطقة الفعلية لها أو لا، أمر يحتاج إلى نقاش مرات ومرات.

في مناطق كثيرة هناك من دون مبالغة عشرات المساجد، لا يفصل بينها سوى أمتار قليلة، لدرجة أن بعض المصلين يقومون من السجود على تكبيرة إمام المسجد المجاور، من شدة قرب المسافة بينهما، كما قال لي أحد الأصدقاء، وتسبب ذلك في قلة عدد المصلين، بعد أن توزعوا على المساجد، ومع ذلك هناك إصرار من قبل مجموعات كثيرة على تشييد مساجد جديدة، وفي مناطق لا تحتاج إلى المزيد، رغبة منهم في الصدقة الجارية، التي لا نختلف على فضلها وأهميتها وفقاً لأحكام ديننا الإسلامي، لكن هل الصدقة الجارية مقتصرة فقط على بناء المساجد، خصوصاً إذا أثبتت لنا الجهات المعنية وبالأرقام عدم الحاجة إلى المزيد منها؟

الإخوة في مؤسسة الأوقاف وشؤون القصّر يشعرون بأهمية تنويع أشكال الوقف، وهم يبذلون جهوداً ملموسة وصادقة لتطوير العملية الوقفية، وبفضل وجود مجموعة من الشباب المتحمسين في المؤسسة، بدأت ثمار التطور الفكري لديهم تنعكس على العمل الميداني، ووضعوا، كما قال نائب الأمين العام للمؤسسة، خالد آل ثاني، استراتيجيات عدة لتطوير العمل، وانتهاج سياسات حديثة للعمل الوقفي، وتنويعه، وتوسيع مفهومه، والدخول في مجالات جديدة جميعها نافع، وجميعها يندرج ضمن باب الصدقة الجارية،

كل ذلك جميل ومبشر، لكن العقبة تكمن في تغيير المفهوم العام عند عدد ليس بالقليل من أهل الخير، فهم عادة ما يطلبون تشييد المساجد فقط، حتى وإن اجتمع معهم مسؤولو المؤسسة، ومسؤولو البلدية، لإقناعهم بعدم وجود حاجة فعلية لإنشاء مسجد في المنطقة المعنية، وفي ذلك يقول خالد إن 95٪ من الطلبات المقدمة للمؤسسة للعمل الوقفي تنحصر في بناء المساجد داخل الدولة.

دروب الخير كثيرة جداً، والصدقات الجارية باب واسع لا يمكن حصره في شكل واحد وأسلوب واحد، والتطور الذي يجتاح المجتمع يتطلب التفكير في أوقاف متطورة، تخدم المجتمع، وتساعد فئات كثيرة تحتاج بشدة إلى المساعدة بأشكال متعددة، لايعني ذلك أبداً عدم بناء المساجد في مناطق جديدة ذات كثافة سكانية، بل يعني ذلك البحث عن أوقاف أخرى بعد أن اكتفت مناطق كثيرة من المساجد التي يحتاجها الناس، وتالياً فإن كل مسجد جديد بالتأكيد سيبقى جديداً من دون مصلين، بعد أن زاد العرض على الطلب. القطاع الصحي مثلاً، ألا يدعو أهل الخير إلى التفكير فيه؟ أليست أجهزة التنفس التي تواجه معظم مستشفياتنا نقصاً واضحاً فيها مشروع صدقة جارية؟ أليس بناء مركز للتبرع بالدم، وكذلك شراء حافلة التبرع صدقة جارية؟ إنشاء مركز متخصص للأمراض التي يعانيها سكان الدولة أليس صدقة جارية؟ وكذلك قطاع التعليم، والإسكان، وأمور أخرى كثيرة، جميعها يمكن أن تدخل ضمن الصدقات الجارية، وليس شرطاً أن تكون هذه الأمور هي مسؤولية الدولة، فمن يرد الخير يفعله في كل المجالات، وإلا لن تعجز الدولة أيضاً عن تشييد المساجد.

reyami@emaratalyoum.com

twitter@samialreyami

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر