أبواب

سيد الترقّب والإثارة

قيس الزبيدي

ما الذي يستحق أن يثير اهتمامنا اليوم عند المخرج الفريد هتشكوك؟ سؤال سبق أن طرحه المخرج جان لوك غودار وأجاب عنه: هتشكوك أولا سيد الإثارة والترقب، وخيوط لعبته السينمائية تقف أمام أنظارنا كتحدٍ مثل أعمدة هندسية مُتميزة. إنه الشاعر الملعون الوحيد الذي حقق نجاحاً تجارياً واسعاً بلا حدود.

يقول هتشكوك: «حين أضع صورا متراصفة على الشاشة ينصب اهتمامي على كيفية إثارة انفعالات الناس». وكما يؤكد غودار فإن هتشكوك هو الشخص الوحيد الذي يجعل 1000 شخص يرتجفون رعباً دون أن يصرخ، وإنما بإظهار صف من زجاجات نبيذ بوردو! حينما تسأل شخصا رأى فيلم «سيئ السمعة/1946 »، يجيبك إنه الفيلم الذي فيه زجاجات بوردو. كما لو أنك تسأل شخصاً عن سيزان فيجيبك: إنه الذي رسم التفاحة.

يبرهن لنا هتشكوك على أن اللقية الفنية لا طائل منها إذا لمْ تُعزز بمكسب على مستوى الشكل في مصهر القالب الذي يسمونه الأسلوب، وقد سبق لأندريه مالرو أن أجاب عن سؤال: ما الفن؟ بقوله: إنه عندما تتحول الأشكال بموجبه إلى أسلوب.

هتشكوك كان رائياُ، يرى أفلامه قبل أن يكتبها لأنه ببساطة كان الابن البار للسينما الصامتة، التي عرفها عند غرفث وشابلن وفريتز لانغ. وحينما حصل الانتقال من السينما الصامتة إلى السينما الناطقة، بدأ في أفلامه كما لو أنه لا يحتاج، عند الضرورة، العودة إلى النص المكتوب (السيناريو)، إنما يستعمل الصور والصوت كما تفعل بربارا سترايساند، عندما تغني، فصوتها وليس النص الذي تغنيه هو الكمال في عالم الغناء.

انطلقت إضافات هتشكوك من قدرته على استعمال عناصر ووسائل تعبير كلاسيكية، وظفها بشكل حرفي ومًتَميز في سرد حكاياته المثيرة، لنذكر فقط تجربته الجذرية التي فتحت الأبواب على تنوع زمن سرد الحكاية فهو أول من استطاع في تاريخ السينما أن يصنع فيلماً روائياً بلقطة واحدة مدتها 90 دقيقة «الحبل». كذلك استطاع أن يصنع مقطع «سكوينس» جريمة الدش المشهورة في فيلم «سايكو» بمدة لا تتجاوز الدقيقة الواحدة لكن في 70 لقطة!

ورغم تعرضه لهجوم النقاد الأميركيين الذين كانوا يحطون من شأنه باستمرار ورغم أنه عمل ما كان يتوقعه الآخرون منه، لكنه لم يكن راوياً للحكايات المثيرة ولا منشغلا بالجماليات، إنما كان من أعظم المبتكرين للأشكال في تاريخ السينما وهناك من يقارنه بالألماني مورناو والروسي إيزنشتين.

احتلت بعض أفلامه في قائمة معهد الأفلام الأميركي لأفضل 100 فيلم مكانها المُتميّز، منها فيلم «سايكو» ،1960 واحتل فيلم «الدوار» ،1958 في تصويت أجرته مجلة «صوت وصورة» الانجليزية في عام ،2002 المرتبة الثانية بعد فيلم «المواطن كين»، بين أفضل الأفلام في تاريخ السينما.

علينا أن نأخذ في الحسبان، حسب غودار، أنه لايزال حتى الآن هناك كثير من الأشياء لابد أنها تأتي من عند هتشكوك.

فلنحب هتشكوك عندما يَمل من أن يكون أستاذاً ومعلم أسلوب، فيجرنا معه في الدرب على طريق تلاميذ المدارس، فهو قبل أن يكون فيلمه درساً في الأخلاق بوسعه أن يكون في كل دقيقة منه درساً في الإخراج.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر