أبواب

للتذكير فقط..

سالم حميد

في 10 ديسمبر 1732 خرج الفاتح الفارسي المستبد نادر شاه بصحبة 80 ألف جندي، في حملة تستهدف احتلال بغداد، وفي الطريق تمكن من سحق الدفاعات العثمانية، وسلكوا دروباً وعرة، ولاقى الكثير من الفرس حتفهم في نهر دجلة لعدم تحمّل الجسر الذي أقاموه عليه أوزان الخيول، وكانت القوات العثمانية تتساقط وتتعرض للهزائم، وازدادت الهيمنة الفارسية على العراق ولم تتبقَ سوى بغداد، وفي فبراير 1733 قام نادر شاه بحصار أسوارها لتجويع أهلها ودفعهم إلى الاستسلام، وكان عدد سكان بغداد حينها يبلغ نحو 300 ألف نسمة، وقامت بلاد فارس بإرسال المزيد من التعزيزات العسكرية والجنود لاختراق الأسوار السميكة، وكلا الطرفين يتبادل التراشق المدفعي حتى نفد مخزون بغداد من الذخيرة وأصاب أهلها الجوع، ما دفعهم إلى أكل لحوم الخيول والحمير والقطط والكلاب والفئران، وفتك الجوع والمرض بهم، ومات نحو 60 ألفاً من أهاليها أثناء فترة الحصار الذي استمر حتى شهر يوليو .1733

كانت القيادة العثمانية على علم بمدى الدهاء العسكري الذي يتمتع به نادر شاه، وخلال الأشهر السابقة أثناء حصار بغداد لم تجد القائد الذي يضمن لهم إنقاذها، فكان لابد من استدعاء القائد الأعلى السابق للقوات العثمانية طوبال عثمان باشا، والذي أحيل إلى التقاعد لكبر سنه وهو مريض مقعد، واعتذر عن قيادة الحملة، كونه عجوزاً عليلاً، ونصح بقائد آخر شاب، ولكن القيادة العثمانية أصرّت عليه، فالأتراك كانوا ينظرون إلى عثمان على أنه أحد أعظم قادتهم العسكريين، وهو وحده من يستطيع هزيمة نادر شاه، وتم حمل عثمان على حمالة يحملها الجنود، لضعف بدنه وصعوبة حركته، مع مرافقة طبيب فرنسي له ليتابع حالته الصحية، وعندما علم نادر شاه بقدوم طوبال عثمان أرسل إليه رسالة تحدٍ، فأمر عثمان بحبس الرسول وقال إن الشاه سيلقى الإجابة منه شخصياً.

رافق عثمان نحو 80 ألف جندي، وكان الشاه على يقين بأنه متفوق عددياً على العثمانيين، وبأنه سينتصر بسهولة على العجوز الهرم، وسيستولي على الكثير من الغنائم، فترك 12 ألف جندي يحاصرون بغداد، وغادرها بصحبة الآلاف المؤلفة من جنوده لملاقاة طوبال عثمان، وذلك يوم 19 يوليو ،1733 واختار عثمان بذكاء موقع المعركة نهر دجلة والرياح من ورائهم لإثارة الغبار في وجوه الأعداء، وليحرمهم من الماء في عز الصيف، ثم أمر بحصانه، فحملوه وأركبوه عليه ليطلق عبارات الحماسة لجنوده، وبالكاد كان قادراً على رفع سيفه، ثم بادر الفرس بهجوم ابتدائي قوامه 50 ألف جندي، ولكن المدفعية العثمانية كانت تدكهم دكاً، لكن الفرس تمكنوا من دحر الدفاعات العثمانية وساد الاضطراب في صفوفهم، لكن طوبال الذي استعاد شبابه وانطلق بحصانه لتشكيل قوات مدفعية من الاحتياط، بلغت 20 ألف جندي، وأصيب الفرس بالعطش، بينما الأتراك يسيطرون على الماء، وبدأ الجنود الفرس يتقهقرون أمام الأتراك، وكاد أن يُقتل نادر شاه لولا سقوطه مغشياً عليه خلف حصانه الميت، وربما كان يتظاهر بالموت، وانتصر العجوز وتحررت بغداد.

تلك المعركة لا تُنسى، فهي الوحيدة التي خاضها نادر شاه بنفسه وخسرها، ولكن مِن مَن؟ من عجوز مقعد! أما بغداد، فتاريخها غني بالكوارث، لكنها تسترجع عافيتها لاحقاً ولو بعد حين.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر