في الحدث

بين تولوز وقندهار

جعفر محمد أحمد

ليس غريباً أن تقول السلطات الفرنسية، أو أية جهات أخرى عن المشتبه به في هجمات تولوز ومونتوبان «جنوب غرب فرنسا»، إنه فرنسي من اصل جزائري، واسمه محمد مراح، وسبق أن أُوقف في الماضي في مدينة قندهار في قضايا تتعلق بالحق العام، وإنه له ارتباط بتنظيم «القاعدة»، حيث اقام في المنطقة الحدودية الفاصلة بين باكستان وأفغانستان، التي تعتبر معقلاً للتنظيم المذكور، وإنه قد يكون المنفذ الحقيقي لعمليات القتل التي طالت الاسبوع الماضي ثلاثة جنود من اصول افريقية شمالية، وأخيراً، اربعة يهود بينهم ثلاثة اطفال في المدرسة اليهودية الاثنين الماضي، كل هذه الاتهامات تكال لمحمد الجزائري قبل أن يقتل من دون أن تثبت إدانته.

هذا وأكثر منه ليس بغريب، لكن نجد الغرابة في التجاهل وعدم الاكتراث من جانب الغرب في حال حدوث هجوم مماثل يستهدف عرباً او مسلمين، لاسيما إن كان المنفذ غربياً، كما حدث أخيراً، في قندهار حين قتل 16 قروياً بدم بارد برصاص جنود اميركيين، أو «بليز» ذلك الجندي المخمور الذي لا يتذكر واقعة إطلاق النار من الأصل، كما زعم.

وزير الداخلية الفرنسي كلود غيان اطلق العنان للتأويلات والاتهامات، قائلاً ان المهاجم ادعى انه مجاهد ولديه روابط مع اشخاص يعلنون انتماءهم للسلفية والجهادية. وأضاف ان الرجل ينتمي الى تنظيم «القاعدة» وقام في الماضي برحلات الى افغانستان وباكستان، وأنه كان يريد الانتقام للاطفال الفلسطينيين، كما كان يريد الانتقام من الجيش الفرنسي بسبب تدخلاته في الدول الأخرى. هذا الخلط بين التطرف، والإسلام الذي يعتبر الديانة الثانية في فرنسا، ليس في مصلحة الاخيرة، وقد يستغل ذلك في تأويلات مغرضة، بعد أن كانت إحدى الفرضيات الأكثر احتمالاً في البداية تشير الى جرائم عنصرية معادية للسامية قد يكون ارتكبها احد انصار اليمين المتطرف.

اسرائيل من جانبها استغلت الحادثة ودخلت على الخط، قائلة إن تعقيب مفوضة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون على جريمة تولوز، أثار غضباً عارماً، بسبب ما وصفه متحدثون إسرائيليون بأنها ساوت بين دماء الأطفال اليهود ودماء نظرائهم الفلسطينيين الذين قُتلوا في غارات إسرائيلية على قطاع غزة. وقد تولى وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان الهجوم على أشتون، واصفاً ما جاء على لسانها بالأقوال غير اللائقة، مدعياً بأن اسرائيل «هي أكثر دولة أخلاقية في العالم، رغم اضطرارها إلى محاربة إرهابيين»،

ربط هجوم تولوز بـ«التضامن مع اطفال وشعب فلسطين» مرفوض تماماً، لأنها متاجرة رخيصة باسم فلسطين لتبرير اعمال ارهابية مرفوضة، كما قال رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، ومطالبته هؤلاء المجرمين بالتوقف عن «المتاجرة بأعمالهم الارهابية باسم فلسطين، أو ادعاء الانتصار لحقوق أطفالها الذين لا يطلبون سوى الحياة الكريمة».

ما بين حادثتي قندهار وتولوز، ومحمد «الجزائري» القتيل دون إدانه، وبليز «الأميركي» المشكوك في إدانته، فرق شاسع ظهر جلياً في التقييم والتضامن والاتهام، إذ كان المعيار الكيل بمكيالين، ولا عجب كما يقول المثل «اذا عرف السبب بطل العجب».

 

jaafar438@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر