أبواب

متحف أحمد راشد ثاني

علي العامري

رحل الشاعر والباحث الإماراتي أحمد راشد ثاني، الذي يعد واحداً من أبرز الشعراء العرب، علاوة على تميز تجربته البحثية، وانتباهاته إلى توثيق التراث الشفاهي في الإمارات، لكن هل يمكن تحويل بيت عائلته إلى متحف لمقتنياته الخاصة بالكتابة وكتبه ومخطوطاته وتفاصيل من سيرته ومراحل تجربته في الشعر والبحث والمسرح.

رحل ابن خورفكان الذي انشغل بالأدب والمسرح منذ أيام دراسته في المدرسة والجامعة، إذ بادر مع مجموعة من الطلبة في مطلع الثمانينات إلى تأسيس «المسرح الحر» في جامعة الإمارات، وإصدار كتابين في الشعر والقصة يضمان نصوصاً لعدد من الموهوبين، الذين لمعت أسماؤهم في ما بعد في فضاء الإبداع، ولايزال قسم منهم يواصل انشغالاته الإبداعية في الشعر أو القصة أو الفن التشكيلي أو المسرح. وكانت سنوات الثمانينات تمثل «مختبراً إبداعياً» لكثير من الأصوات التي واصلت العطاء.

رحل الشاعر أحمد راشد في 20 من فبراير الماضي، تاركاً إرثاً إبداعياً وبحثياً، من بينه رواية بعنوان «عوشانة» جاهزة للطباعة. كان أحمد شاعراً ومثقفاً مختلفاً، ودوداً إلى أبعد الحدود، ومحاوراً عميقاً، يدافع عن رؤيته، ويصغي إلى الاختلاف. ومع رحيله فقدت عائلة الشعر العربي واحداً من أبرز اسمائها، وبكى النخيل والبحر ودخلت النوارس فصل الحداد. أحمد الذي رحل، وهو في عز عطائه، كان يواصل الحفر في مشروعيه الإبداعي والبحثي معاً، وأنجز الكثير وأعطى الكثير، وكان كما لو أنه يحدس بموته، لذلك لم يتوقف يوماً عن الكتابة، إرثه الذي يضيء عبر الزمان.

جاءني خبر رحيل الصديق الشاعر أحمد، مثل صاعقة غير متوقعة، وكنت على ربوة الحمراء في مدينة غرناطة، آخر قلاع العرب في الأندلس. لم أصدق موت أحمد، ولم أتوقع أن يفتح باب البحر ويركب موج الغياب المفاجئ، قبل شهر تماماً، ويترك الحزن غيمة تظلل روح الماء، ولا يرى «عوشانة» تخرج من المطبعة.

أحمد راشد ثاني، علامة في الشعر، في الإمارات والوطن العربي، ولو أتيحت ترجمة نتاجه لعرف العالم كم هو شاعر مختلف، وكم هو إنسان شفيف، وكم هو مثقف لم يتوقف يوماً عن شغبه وولهه وانشغاله بالإبداع.

ولأن إبداع الشاعر الراحل يستحق كل تقدير واهتمام وتوثيق، جاءت خطوة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في هذا السياق، حين شكل لجنة لجمع كتابات الراحل، وأطلق اسمه على قاعة في مقر الاتحاد في الشارقة، كما أطلق الشاعر والباحث أحمد محمد عبيد جائزة أحمد راشد في التاريخ الشفاهي. وأعتقد أن تكريم اسم الراحل يتطلب أكثر من ذلك، من خلال إطلاق جائزة شعرية سنوية باسم الفقيد، تطلقها وزارة الثقافة أو اتحاد الكتاب أو بالتعاون بينهما، علاوة على تحويل بيت أهل الراحل في خورفكان إلى متحف الشاعر أحمد راشد ثاني، بحيث يضم نماذج من كتبه ومخطوطاته وصوره وكتبه وتفاصيل من سيرته وأشياء تتعلق بحياته الإبداعية، ليبقى اسمه مضيئاً على مر الزمان، خصوصاً أن النسيان آفة عربية، لا تبقي على شيء، فكم من شعراء كبار رحلوا، ورحلت آثارهم معهم، وحتى الآن لاتزال فكرة متحف محمود درويش «معلقة» أو إنها في طريقها إلى النسيان. ويحتفي العالم، عادة، بأدبائه، وعلى سبيل المثال، تضم غرناطة متحفين للشاعر لوركا، إذ تم تحويل البيت الذي ولد فيه إلى متحف يضم مقتنيات له، وأشياء تتعلق به، من ضمنها المهد الذي ولد فيه، كما تحول البيت الصيفي لعائلة لوركا إلى متحف، وتنتشر في إسبانيا كثير من المتنزهات والمكتبات والمراكز الثقافية والتماثيل للوركا.

رحل أحمد راشد ثاني، لكن علينا جميعاً، أفراداً ومؤسسات، أن نواصل الوفاء لشاعر لم يتوقف عن الحب والإبداع طوال حياته، من رسائله إلى أمه، حتى «عوشانة».

alialameri@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر