أبواب

« عربلوجيا 2 »

محمد المرزوقي

على الرغم من أنني لست ذلك الشخص الذي يحب أن يكون سبباً في إزالة ملامح الحزن/الإحباط عن وجوه الآخرين، إلا أنني ولأجل أن يكف هؤلاء التراجيديون عن جَلْد ذواتهم وذواتنا ـ معهم ـ كلما فُتح نقاش عن الأزمة التي تتعرض لها اللغة العربية، أجد نفسي مضطراً إلى أن أبدأ هذا المقال قائلاً: «اطمئنوا يا سادة لغتنا العربية الجميلة ليست في خطر».

وقد ينهض أحد فقهاء اللغة ويشير إلي بإصبعه أو عصاه لكي يتهمني بأنني عدو للغة، وسأبتسم وأقول له مكرراً: لا أظن أن اللغة العربية في خطر أو مهددة بالانقراض أو الاندثار بسبب وجود مقومات كثيرة لاستمرارها، يكفي أنها تعد اللغة الرسمية لأسرع الديانات انتشاراً في العالم اليوم، أي الإسلام.

كل ما في الأمر أنها تتعرض لمنافسة شرسة في عقر دارها من قبل اللغة الإنجليزية الأكثر بساطة، وهذا الأمر ليس حكراً على اللغة العربية، فاللغة الفرنسية، مثلاً، تواجه التحديات نفسها التي تواجهها اللغة العربية، ليس على المستوى العالمي فحسب بل على المستوى المحلي (في فرنسا) أيضاً.

ونحن نستطيع أن نمضي إلى ما لا نهاية في لعن اللغة الإنجليزية وإطراء لغتنا العربية، لكن ذلك لن يغير من حقيقة انحسار اللغة العربية أمام اللغة الإنجليزية شيئاً. فعلى عكس الإنجليزية، فإن «العربية» لم تتعرض ـ منذ انهيار الدولة العثمانية على الأقل ـ إلى أي محاولة علمية/عصرية جادة لتجديدها وتطويرها لتتمكن من التعامل مع متغيرات العصر.

يكفي مثلاً أن كتب تدريس اللغة العربية لاتزال متخلفة، ولعلي لا أبالغ إن قلت إن ثاني أسوأ المواد الدراسية وأصعبها بالنسبة لطلاب المدارس هي مادة اللغة العربية (على افتراض أن هناك دائماً مكاناً للأسوأ).

صحيح أن قسطاً من مسؤولية ضعف الطلاب في اللغة العربية يقع على طبيعة وظروف هذا العصر وعليهم هم، لكنّ قسطاً كبيراً من المسؤولية تتحمله هذه المناهج التعليمية التي تريد تحنيط اللغة العربية في قوالب حديدية تشبه تلك القوالب التي كانوا يدخلون فيها أقدام البنات الصغيرات في الصين، لتظل صغيرة فلا تكبر.

وكما كانت المرأة الصينية يختل توازنها إذ ينمو جسمها ويكبر، في حين تبقى رجلها في العمر الذي كانت عليه يوم وُضعت في قالب الحديد، يحدث الأمر نفسه للغة العربية وقواعدها.

فاللغة العربية النحوية أضحت، بسبب القواعد الصعبة والمعقدة، شيئاً لا يمكن أن يزاوله سوى المختصين بها، كما يقول الكاتب العراقي، خالد القشطيني، الذي أمضى جزءاً كبيراً من سنوات عمره الـ70 يقتنص الفرصة تلو الفرصة لإتقان اللغة العربية، ومع ذلك لا يكاد ينتهي من كتابة مقال من دون أن يقع في أخطاء نحوية في مكانٍ ما!

لذلك لا يجب أن نعول كثيراً على المناهج التعليمية في المدارس، فإذا كان الهدف الذي من أجله وضعت هو تمكين الطلاب من التعبير الصادق الدقيق ـ كتابةً أو تحدثاً ـ بلغة عربية سليمة، فقد فشلت فشلاً ذريعاً بسبب تعقيدها المصطنع المتنافي وجوهر اللغة العربية وطبيعتها.

ما ندعو إليه هو تبسيط اللغة العربية في المناهج الدراسية بحذف الكثير من قواعدها النحوية وتراكيبها المعقدة، بل وموضوعاتها التي حولتها إلى مادة أكاديمية/جامعية بحتة. ولا تستمعوا كثيراً لهؤلاء الذين ينصبون خيام عزاء للبكاء على اللغة العربية كلما سنحت لهم الفرصة، فهي ـ للمرة الثالثة ـ ليست في خطر، بل نحن في خطر!

 al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر