يا جماعة الخير

مخطئان.. وبين نهايتيهما شتان

مصطفى عبدالعال

بشير بن أُبيرق (أبوطعمة) رجل مسلم من إحدى قبائل الأنصار، سرق درعًا من جارٍ له مسلم (قتادة بن النعمان)، ووضع الدرع في جراب دقيق من البيت نفسه ليخفيه،لأن حمله الدقيق بين الناس لن يلفت كحمله الدرع، لكن الجراب كان به ثقب تسرب منه الدقيق على الطريق، وبشير لمكره ذهب به إلى دار رجل من اليهود (زيد بن السمين)، وزعم له أن الجراب ثُقب منه، ويخشى تسرب معظم الدقيق حتى يصل إلى داره، فجاء ليترك الدقيق عنده حتى يعود في الغد لأخذه، يريد بذلك إخفاء الدرع، وأن يقطع أثر الدقيق عن بيته لو اكتشف أصحاب الدرع سرقتها مبكراً، وفعلاً اكتشف أصحاب الدرع السرقة، فتوجهوا مباشرة إلى بشير، لأنه المتهم الأول في سرقات المدينة، وسألوه، فحلف بالله ما أخذه، فلما حلف تركوه إكراماً لابن عمه الصحابي الجليل الورع طعمة بن أبيرق (بعض الرواة يخلط بينهما حتى من المفسرين كما قال أهل الحديث)، واتبعوا أثر الدقيق فانتهوا إلى منزل اليهودي، ووجدوا الدرع عنده بالدقيق، فقال اليهودي: تركها عندي بشير، وسمع الناس فجاء قوم بشير، وسألوا رسول الله أن يدافع عن صاحبهم، ظناً منهم أن الرسول سينصفه لأنه المسلم، ويحكم على اليهودي، وغاب عنهم أن الوحي سيدركه قبل أن يحكم بالظاهر، وفعلاً أنزل الله عليه: {إِنا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَق لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناسِ بِمَا أَرَاكَ الله ولا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} حتى قال سبحانه: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُم يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} النساء: 105 ـ 112

وفضح الله المسلم وبرأ اليهودي، فهرب بشير وارتد عن الإسلام، ولحق بالمشركين فأنزل الله: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَينَ لَهُ الْهُدَى وَيَتبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلهِ مَا تَوَلى وَنُصْلِهِ جَهَنمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (115) فهرب ونقب سور بيت بمكة يسرقه فسقط عليه ومات كافراً مطروداً. لكن رجلاً آخر (كعب بن زهير بن أبي سلمى) الشاعر المعروف، قام بسبّ رسول الله والمسلمين بشِعره وهو على غير الإسلام، فأهدر صلى الله عليه وسلم دمه، وقال: «من لقي كعباً فليقتله»، وانتشر الخبر حتى علمه كعب، فلم يفعل كما فعل الأول (بشير)، لكنه قدم المدينة، فسأل عن أرق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدلوه على أبي بكر، فأخبره خبره، فمشى أبوبكر وكعب على أثره ملثماً حتى صار بين يدي النبي صلّى الله عليه وآله وسلم، فقال: رجل يبايعك، فمد صلّى الله عليه وسلم يده، وبايعه كعب، ثم كشف لثامه، وأعلن ندمه وتوبته، وأنشده قصيدة (بانت سعاد)، وقال فيها:

نبّئت أنّ رسول الله أوعدني ... والعفو عند رسول الله مأمول

إنّ الرّسول لنور يستضاء به ... مهنّد مـن سيوف الله مسلول

ولصدقه لم ينزل وحي بكذبه، ففرح به صلّى الله عليه وآله وسلم، وكساه بردة له، فاشتراها معاوية من ولده، فهي التي يلبسها الخلفاء في الأعياد،

رجل أخطأ وتمادى فكفر، وآخر أخطأ وتدارك فظفر! وصدق الرسول في قوله «كُل ابْنِ آدَمَ خَطاءٌ وَخَيْرُ الْخَطائِينَ التوابُونَ».

المستشار التربوي لبرنامج «وطني»

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر