في الحدث

ما بين الخرطوم وجوبا

جعفر محمد أحمد

ما كشف عنه الرئيس السوداني عمر البشير، لأول مرة، قبل ايام، من ان السودان قدّم 18 ألف شهيد في فترة الحرب بين الشمال والجنوب، التي انتهت بانفصال الأخير عن السودان، دليل قاطع على ان السلام الذي من اجله ضحى بالأرض، لم ولن يتحقق، بدليل ان البشير نفسه أقرّ ضمنياً بذلك، وقوله ان السودان مستعد لتقديم العدد ذاته من «الضحايا» إذا ما استمر التآمر عليه، خير شاهد وبرهان على ان السلام المنشود تحول الى سراب وعداء في طريقه الى حرب جديدة وجنوب جديد، لكنه هذه المرة ليس مع الحركة الشعبية، ولكن مع دولة ذات سيادة، تخضع وتحتكم الى الأمم المتحدة، ما يجعل الصراع الجديد محفوفاً بالمخاطر ومحمياً بالقوانين الدولية، عكس ما كان في السابق، حيث كان نزاعاً محلياً وشأناً داخلياً.

ظهور البشير مرتدياً الزي العسكري وإعلانه التعبئة العامة في البلاد ومطالبته الحكّام بفتح معسكرات الدفاع الشعبي بجميع ولايات السودان لتدريب المتطوعين وإعداد 21 لواء من المقاتلين لحسم أي تمرد، وتوعده دولة الجنوب الوليدة، إذا ما نكص الحاكمون فيها عن العهد الذي حققوا به الانفصال، وحولوه من حلم الى حقيقة واقعة، يعكس مدى احباط القيادات السياسية في الشمال ووصولهم الى حقيقة ان القضية ضاعت، والأرض ضاعت، وهي حقيقة لم تخطر على بال أي أحد منهم لحظة توقيع اتفاقية السلام في عام ،2005 حيث كان الأمل يحدو الجميع في جعل الوحدة جاذبة، والسلام هو الغاية، لكن للأسف عدنا الآن، بعد أشهر قليلة من الانفصال، الى مربع الحرب مرة اخرى، وعادت معها لغة التصعيد والوعيد بين الخرطوم ودولة جنوب السودان.

تصريحات البشير الأخيرة، وشنه هجوماً هو الأعنف على الإدارة الأميركية، بقوله: «لا نريد جزرتكم لأنها مسمومة.. ولا نخشى عصاكم»، وقبله ايضا تصريحات مساعده، نائب رئيس المؤتمر الوطني، نافع علي نافع، حين قال في لهجة عنيفة ان دولة الجنوب لا ينفع معها الفضل والإحسان، وتحذيره بالقول ان جوبا ليست بعيدة، وهو ما ذهب اليه ايضا نائب رئيس الجمهورية الحاج آدم، بقوله ان صبر الحكومة تجاه الحركة الشعبية بدأ ينفد، وزاد «إن دعا الداعي جوبا ليست بعيدة»، كلها اشارات واضحة وصريحة إلى استعداد الحكومة السودانية للمواجهة والحرب.

ما يحدث حالياً من تصعيد في النيل الأزرق وجنوب كردفان، وأزمة النفط بين الخرطوم وجوبا، لا يخلو من وجود أيادٍ اجنبية تحرك، وتسعى الى تأزم المواقف بين «شريكي» الأمس، ودفعهما إلى مربع الحرب التي ستكون هذه المرة بين دولتين تمتلك كل منهما العتاد والقوة. والنتيجة الحتمية ستكون خراباً ودماراً على دولة الجنوب الوليدة، اما الشمال فيكفيه ما خسره بشرياً ومادياً منذ بداية الحرب، وانتهاء بفقدانه ربع مساحته وضياع نفطه.

jaafar438@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر