أبواب

يحبون السينما لكنها لا تحبهم

قيس الزبيدي

كثير من الناس يحبون السينما، لكن السينما لا تحب إلا قليلاً منهم.

غودار

يأتي سوء الفهم عند معظم النقاد من فهمهم المُلتبس لشخصية غودار السينمائية، فهم يتعاملون مع أفلامه منطلقين من نجومية موهبته، التي يبدو مصدرها طبيعة أفكاره الألمعية المتضادة التي بدأها منذ نجاح فيلمه الروائي الأول «اللاهث»، والتي سبق له أن عبر عنها في كتاباته النقدية المثيرة للجدل في مجلة «دفاتر السينما». وكان يمكننا حتى أن نرى في حالات تواضعه القصدية اعترافاً منه مباشراً بصحة فوضوية شخصيته الفكرية: «في ما يخصني اعبر عن نفسي بشكل سيّئ، لكني لم أفقد الإرادة في أن أحول طريقة تعبيري، كي اعبر عن نفسي بشكل أفضل». ونحن نكتشف في أفلامه أيضاً محاولات قصدية لاغتصاب هذه الموهبة فنياً في جزيئياتها لحسن الحظ، وذلك لجعلها مجرد أمثلة تطبيقية «لأفكار حاول أن يكتبها في السينما بدلاً من أن يطبعها على الورق».

في مقابلة نشرت في «دفاتر السينما» في الشهر الثالث من عام 2000 نكتشف فيها غودار آخر، غودار هادئاً، مسالماً ومراقباً ثاقباً للسينما في وضعها الحالي: «أنا اليوم مثل طبيب يتحدث حول مريض.. المرض يأتي من المريض وليس مني. الشيء نفسه مع الفيلم، مع الرسم أو الكتاب عليك أولاً أن ترى ماذا يقول الفيلم لكي يكون بوسعك أن تتكلم عنه. لم أكن تقريبا ناقدا جيدا كما هو شأن بعض الآخرين. فقد كتبت نوعاً من النقد المزاجي الذي أمّن لي وجودي الثقافي، لكن تريفو كان أفضل ناقد ورومير كان أكثر أكاديميةً ونصه الأول (السينما فن المكان) ذو أهمية كبيرة لكل واحد. وأنا لا أعرف ماذا ينتقد النقاد، إنهم يمتحنون أفكارهم التي تطورت من اجل إعتاق فيلم خاص. نحن نتقاسم الأشياء لنتحدث (عنها) وليس (حولها)».

السينما هي آخر فن ذي تقاليد صورية وسحر الفيلم يأتي من إخراجه للشاشة، وأفلام اليوم هي سينما ذات توجه سيناريو أدبي، فمنذ غوتنبرغ انتصر النص وجرى نضال طويل، زواج أو علاقة غرام بين اللوحة والنص، ثم انتشر النص في النهار. يتحدث الناس كثيراً عن الصور، لكن اليوم هناك فقط النص، هناك السيناريو الذي يعد اليوم بمنزلة الإنجيل.

كثير من أفلامي أجدها رديئة تقريبا أو متحذلقة. لقد نجحت في تصوير بعض المقاطع التي تُوّجت بالنجاح، لكنها نادرة تلك التي تصمد من البداية إلى النهاية. ربما «ألمانيا عام 90»، و«المكان القديم» مع اننه-ماري مييفيل و«ج-ل-ج/ ج-ل-ج» وبعض الأفلام التي لم تكن أبداً ناجحة كثيراً. ففي«بيرو المجنون» هناك عدد من اللحظات الشيقة، لكن الكل لا يصمد. هناك لقطات جميلة في بعض أفلامي وهذا كل شيء. ورغم من يستشهد بفيلم «عصابة المنبوذين» لكنه بصراحة فيلم رديء، بينما «مذكر/مؤنث» أفضل، ففيه بعض الأفكار الجيدة. كنت دائما موزعاً بين ما هو مقالة وما هو رواية.

أنا حساس بالنسبة للأسماء، لأنني أدركت كم ألحق بإسمي الضرر، واستفدت منه خطأ، واحتاج الأمر مني بعض الوقت لأفهم انه كان يعمل ضدي، وبودي لو أقدم فيلماً تحت اسم مختلف، رغم أن ذلك أمر غير واقعي.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر