كل جمعة

مكاسب إسرائيل من «بابا عمرو»

باسل رفايعة

حين تقتل إسرائيل فلسطينياً، فهي واقعيّـاً تقتل عدوّها، وحينما تُغير طائراتها على غزة أو بيروت، فهي تضرب منازل ومصالح للعدو. هنا لا مجال للحديث عن القوانين الدولية، والرأفة، والإنسانية، خصوصاً مع عصابة نازية، يقودها نازيون مرضى بعقد التاريخ، ومتمرسون في الإجرام، ومع ذلك فإن هذه الصورة تؤرق إسرائيل نفسها، وتضع عبئاً متزايداً على آلتها الدعائية حول العالم، بعد كل مذبحة، وكل قصف، وكل حرب.

الآن، تستطيع إسرائيل أن تحاجج بأنّ أنظمة عربية ارتكبت ما هو أشد بشاعة، وأنها كانت تقاتل عدواً على أية حال، فيما غيرها يقتل شعبه الذي هتف له بـ«الروح والدم» طوال عقود طويلة، وخرج له في مسيرات التأييد والتحشيد. يستطيع بنيامين نتنياهو أن يتذكر حرب أكتوبر ،1973 ويقول إن إسرائيل واجهت مصر وسورية، وقتلت من المدنيين والعسكريين نحو 8000 شخص، فيما قتل النظام السوري من شعبه نحو ،9000 والضحايا يتزايدون في كل ساعة، وقتل معمر القذافي 20 ألف ليبي.

تستطيع إسرائيل أن تستعين بصور جثث الأطفال وركام البيوت في بابا عمرو في حمص، وتردّ بها على الصور التي يُعيد التلفزيون السوري الرسمي بثها هذه الأيام عن مجازر صبرا وشاتيلا وقانا، ستقول دعايتها، وفي كذب مدرب على الأسف، إن تلك المجازر حدثت نتيجة أخطاء عسكرية، يُوجب بعضها الاعتذار، أما معمر القذافي فعاش يسأل أصحاب الجثث المحترقة في مصراتة: من أنتم؟ فيما يواصل بشار الأسد توزيع ابتساماته، ولم يأسف بعد للسجائر المطفأة في جثة الطفل حمزة الخطيب، ويريد أن يتفوق إعلامياً في الفضاء، مثلما تفوق على الأرض، حين اخترع العصابات المسلحة في درعا، وأمعن ذبحاً في النساء والأطفال، واعتبر أن وراء كل جثة مؤامرة.

على بُعد كيلومترات من إسرائيل، تخوض القوات السورية، بجيش مدرع، وبغطاء جوي، هجوماً واسعاً على حيّ صغير في حمص، وكل ما يردُ من صور فوتوغرافية أو متلفزة يوفر مادة دعائية مهمة وضرورية لإسرائيل عن نظام «مقاوم وممانع» لا يستخدم الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه، وإنما يتبع وسائل قمعية تشبه وسائلها، ويتفوق عليها في أنه يقتل شعباً حكمه أربعة عقود، وقرر أن يعاقبه بالصواريخ والدبابات حين طالب بأدنى حقوقه الإنسانية، وقرر أنه لن يتوقف أبداً، وليكن الثمن آلاف الجثث، والبيوت، ولا فرق بين الضحايا.

تكسب إسرائيل، وهي تتابع مشاهد الحرب التي يخوضها النظام ضد الشعب السوري، تربح صورتها القاتمة في التاريخ القريب، حين تتفوق عليها صورة حيّة أشد قتامة، وهي أكبر الرابحين من استمرار الجريمة في سورية، لأن ذلك يُطيل أيام النظام السوري نحو مزيد من الصور القابلة للتفوق على ماضيها، وهي لا تريد خدمة أكبر من ذلك.

على أن إسرائيل ستخسر في نهاية الأمر حين تتداعى هياكل النظام في سورية على وقع الثورة الشعبية بصمودها وتضحياتها الأسطورية، ويقوم نظام آخر، لا يقدم لها ما يساعدها على الشفاء من عقد الجريمة، لأنها لا تنتهي بموت الضحية.

baselraf@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر