أبواب

السينما والرقي

سالم حميد

السينما التجارية ليست تافهة فحسب، أو مجرد تسلية فقط كأفلام «الأنيميشن» والثلاثية الأبعاد، التي تعتمد الإبهار البصري على حساب الدراما، كأنك تشاهد ألعاب فيديو للأطفال! فعن طريق التسلية يتم مخاطبة عقول المشاهدين بكم هائل من الرداءة الفكرية، أو تكريس مفاهيم الكره والعنف والبذاءة والابتذال، لكن قانون العرض والطلب لهذه النوعية من الأفلام فرض طغيانه، فالسينما صناعة باهظة الكلفة، ويصعب المجازفة في إنتاج أفلام جادة قد لا تحقق حتى سعر الكلفة، ولا استغرب الدعوة التي وجهها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، يناير الماضي، إلى ضرورة تحويل السينما البريطانية الراقية إلى سينما تجارية، كي تسهم في الاقتصاد، ويبدو أن كاميرون يريد تحويل لندن إلى لوس أنجلوس أخرى، فبسبب صناعة السينما أصبحت كاليفورنيا إحدى أغنى الولايات الأميركية، كما استطاعت أفلام تجارية بريطانية تحقيق الكثير من الأرباح، كسلسلة «هاري بوتر»، علماً أنه إنتاج بريطاني أميركي مشترك، وقبلها ولاتزال سلسلة أفلام «جيمس بوند»، لكن على الرغم من دعوات التحول التجاري لاتزال بعض الأفلام البريطانية محافظة على رقيها، كالفيلم الذي شاهدته أخيراً «المرأة المتشحة بالسواد»، وهو في الأصل مسرحية تُعد من روائع المسرح البريطاني وتُعرض منذ نحو 22 عاماً عن رواية لسوزان هيل، والأداء التمثيلي في المسرحية مذهل في طريقته وإتقانه مع نوعية سينمائية مستوحاة من عالم الأفلام السوداء، واستطاع الفيلم أن يجد المعادل السينمائي للأصل الأدبي. كما أثبت بعض الأفلام البريطانية أنه ليس بحاجة إلى تكاليف باهظة لتحقيق أرباح بأرقام تجارية، فأفلام مثل «خطاب الملك»، و«المليونير المشرد»، و«المرأة الحديدية»، تراوح كلفة إنتاجها بين 13 و15 مليون دولار، لكنها حققت أرباحاً بلغت مئات الملايين من الدولارات، هذا بخلاف الجوائز التي نالتها. السينما الأوروبية عموماً، لا تستطيع منافسة البذخ الأميركي، فجاءت أعمالها أقل كلفة وأقل توزيعاً، لكن الأوروبيين يعزون أنفسهم بأن سينماهم أكثر رقياً، فهل ستبادر السينما البريطانية بتغيير توجهاتها؟ السينما المصرية إحدى أقدم السينمات في العالم وتعود إلى عام ،1927 وكانت في غاية الرقي بلونها الأبيض والأسود، أما اليوم فحدّث ولا حرج، أما السينما الهندية فعلى وشك الانسلاخ من ثقافتها إن لم تنسلخ بعد!

على الرغم من حالة الانغلاق التي تعيشها إيران، في ظل إعلامها الموجّه، إلا أنها تمتلك أقوى سينما وطنية في العالم، وتنتج سنوياً نحو 100 فيلم، تحصد بها أرقى الجوائز على المستويات الإقليمية والعالمية، ولها حضور بارز في المهرجانات الدولية، فهي سينما لا تعتمد على التسلية، فموضوعاتها جميعها إنسانية وغير مبتذلة، وهي أقرب إلى المسرح المصّور في طريقة الأداء، هذا بالإضافة إلى تقنياتها الاحترافية العالية في التصوير والصوت والإضاءة والديكور، فتجد في الفيلم الإيراني مدى العلاقة السينمائية العالية الاحتراف في أداء شخصياتها وأماكنها وتقنياتها، وعلى الرغم من أن الإنتاج السينمائي في إيران خاص، إلا أنه يحظى بدعم مالي كبير من الحكومة، التي تشترط الجدية في أفلامها لقاء الحصول على الدعم السخي، فالسينما في إيران هي الوسيط الثوري لها، وإيران لا تبحث عن الربح المادي من أفلامها بقدر ما يهمها حصد أفلامها الجوائز الدولية وإبراز السينما الإيرانية على أنها من أرقى السينمات في العالم.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر