يا جماعة الخير

شاهد زور أم مغفل؟!

مصطفى عبدالعال

كم في الواقع من قصص مكرٍ للرجال والنساء، لكن القصة من كتب التاريخ تغني عن الشبهات في الأشخاص، وتبين أن البشر هم البشر، ويأخذ العاقل منها العِبَر إن أراد، رجلاً كان أو امرأة، وقد مدح القرآن من النساء ما لا يدع مجالا لذم جنسهن، كما ذم من الرجال ما لا يدع مجالاً لادعاء العصمة لجنسهم، لكن الطيور على أشكالها تقع، مثلاً في عهد الرشيد لجأت امرأة إلى أحد كبار التجار، شاكية غياب زوجها عنها عشر سنين بلا نفقة ولا خبر، وتريد رجلا يقول أمام القاضي إنه زوجها ثم يطلقها لتتزوج غيره، فقال التاجر لها: آخذ دينارا وأفعل، فبكت وقالت: والله ما أملك غير أربعة دراهم، فأخذ الدراهم ومضى معها إلى القاضي ولما أقر أمامه بما اتفقا عليه طلبت الطلاق، فسألها القاضي: أتبرينه؟ قالت: لا والله، فإن لي عليه المهر ونفقة عشر سنين، وأنا أحق بذلك، فقال القاضي للتاجر: أدها حقها وطلقها، فلم يجرؤ على الاعتراف بكذبه، ولم يرضَ بدفع المبلغ المطلوب، فأمر القاضي بحبسه، فلما لم يجد مخرجا أخذ يساوم المرأة حتى قبلت منه عشرة دنانير ودفع الدراهم الأربعة رسوما للقضية، وخرج من البلدة لفساد سيرته وخسر تجارته.

موقف يتكرر في كل زمان، يتخيلها البعض شهامة تنقذ مظلوما، وبعضهم يفعلها طمعا في مال أو شهوة، وبعضهم يفعلها تحت ضغط ما، والمرأة تستبيحه ردا على طمعه، لكنهم جميعا ـ وفي كل الأحوال ـ شهود زور كذابون بلا ضمائر، ومع تحملهم العواقب من مهانة وخسارة، فإن لله عز وجل حسابات أخرى في الدنيا والآخرة، فربما دبرت زوجة مع شياطين الإنس المتلاعبين بالقانون للغدر بزوج غير مقصر قائم بواجباته، ونالت فعلا مرادها ونسيت أن الله بالمرصاد فلم تهنأ بعاشق ولا مال ولا راحة بال، ولابد عدلا من أن تشرب من الكأس نفسها، وربما اتهم زوج زوجته الضعيفة بما ليس فيها، وغدر بها من أجل غانية لعوب! وتناسى رفيقة فقره قبل غناه، وضعفه قبل قوته، وأم أولاده وربما صاحبة أمواله، لكننا لو تتبعنا أي قصة غدر نجد الله يقتص للمظلوم بعدله، وهو القائل عن الكذب: {إِنمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ} (النحل 105)، ووصف عباده بأنهم {الذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزورَ وَإِذَا مَروا بِاللغْوِ مَروا كِرَاماً} (الفرقان 72)، وقال نبيه صلى الله عليه وسلم: «لَنْ تَزُولَ قَدَمُ شَاهِدِ الزورِ حَتى يُوجِبَ اللهُ لَهُ النار»، وكان الصحابة يرتعدون عند الشهادة، ولولا قول الله عز وجل: {وَلاَ تَكْتُمُواْ الشهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} (البقرة 283)، ما شهد أحدهم بشيء خوف الشبهة، وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن شروط الشهادة، فقال: «أرأيت الشمس»؟ قال نعم، فقال: «على مثلها فاشهد، وإلا فدع».

وشهادة الزور هي شهادة الزور، سواء في قضية قتل يُعدم فيها المشهود عليه، أو في كلمةٍ يقولها الإنسان عن زميل يظن فقط أنه يكتسب بكلمته الكاذبة تعاطف زملاء أو أصدقاء أو رئيس عمل، كذلك من شهادة الزور كلمة زوجة لصديقتها أو أهلها عن عيب مزعوم في زوجها، ومن شهادة الزور أن يتهم الزوج زوجته بما ليس فيها، ولو بتكاسلها عن أداء بعض حقوقه، فهل أنت شاهد زور أم مغفل؟

المستشار التربوي لبرنامج «وطني»

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر