أبواب

صنع العسل من دون مشاركة النحل!

قيس الزبيدي

أول سوري درس الإخراج في عام ،1950 في المعهد العالي للدراسات السينمائية في باريس هو صلاح دهني، الذي حينما عاد إلى بلده وجده من دون سينما، ووجد فيه ثلاثة عشاق فقط للسينما، أنجز كل منهم فيلماً يتيماً فشل تجارياً وجماهيرياً، بسبب انتشار موجات أفلام التهريج والإثارة والاستعراض والغناء من الإنتاج المصري، إضافة إلى سيول من أفلام «الكاوبوي» والقتل والسطو والجريمة والعصابات الأميركية.

كانت السينما السورية قد مرت بمرحلتين فقيرتين: الأولى في العشرينات والثانية في الخمسينات من القرن الماضي، والمرحلتان منيتا بالفشل، لكنهما بشرتا القادم الجديد بضرورة تأسيس سينما وطنية، وضرورة تربية تذوق سينمائي عند جمهور سينما واسع، تربّى على نمط الأفلام الأميركية والمصرية التجارية، ولم يكن أمامه إلا أن يلجأ إلى دعم الدولة، للبدء في تحقيق هذين الهدفين.

يعود دهني إلى كتابة ذكرياته وتذكر جهوده المضنية في بناء«سينما حية نشطة متطورة». استنجدت به السينما وطلبت منه أن تنهض، فاقتحم الصعاب وحقق حلمه بإقناع الدولة بضرورة السينما، ثم بإحداث مؤسسة منتجة عامة للسينما، عرف فرحات كبيرة في أحيان وخيبات مريرة في أحيان، ولم يكن سوى مغامر تستر وراء أحلامه وأريد له أن يُبعد إلى إقليم الصمت، لكنه ما صَمَت: «حين نفقد حلمنا نصبح أفقر، فها أنا أراني اليوم بائساً عند درفة نافذة شبه مغلقة أتحرك منزلقاً على بساط التاريخ، بعد أن أغلق أمامي باب السينما، والمفتاح ليس معي». ويبدو أن ما يخطه دهني من ذكريات مريرة في صفحات كتاب «مكاشفات بلا أقنعة- اتحاد الكتاب العرب/دمشق/ 2011»، يشبه مغزاه ما كتب شكسبير في شعره: «رغم أن الجريمة ترتكب بلا كلام، لكنها تعبر بفصاحة رائعة».

ينهي دهني كتابه: «على مدى السنوات الـ30 الأخيرة أصيبت السينما عندنا بضربة قاسية، فعدد الأفلام المنتجة سنوياً في المؤسسة العامة تراجع، في حين أدار القطاع الخاص ظهره للسينما، كما أدار الجمهور نفسه ظهره للسينما، ورغم مضي نصف قرن على إحداث مؤسسة السينما التي أصابتها المكاره وأنقض ظهرها الهرم، وبقيت في أحسن الأحوال على فيلم أو فيلمين سنوياً، منظمةً لمهرجان مُكلِف لا يُسمِن ولا يُغني، أصبح معظم جهدها باتجاه الإنتاج في خبر كان».

هل كان من الممكن ألا تكون عليه الحال غير ما هو كائن ربما لا.. لكن ربما..

يكتب شوقي بغدادي أن علاقة الجمهور السوري بالسينما تحولت من نزهة للتسلية والفرجة إلى وقفة نقدية متأملة، من خلال ما كان يسمعه من نقد ذكي لماح من صلاح دهني عبر الإذاعة أو يقرؤه من كتاباته في الصحف، وكان بحق أول معلم تنويري جماهيري للفن السابع في بلادنا. ويكتب سمير فريد: صلاح دهني هو اكبر نقاد السينما الرواد في سورية والعالم العربي ويعد هيثم حقي صلاح دهني ليس فقط رائداً يستحق التقدير لما قدمه من إبداع، إنما لأنه لايزال يحمل مسؤولية مهمته النبيلة الصعبة في الدفاع عن الفن الجيد.

يبقى أن نقول لمن لا يعرف سوى صلاح دهني الناقد والكاتب والمترجم، إنه أخرج فيلمه الروائي الوحيد «الأبطال يولدون مرتين» في عام .1977

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر