5 دقائق

«وشو دوا العشق يَحمد»!!

ميره القاسم

«هاهي نظرة الحياة المتقلّبة تعيدني للجلوس على رمل الأرض. أمي الحية في الموت، وأنا الميت في الحياة نعود لنفرش حصيرة أيامنا على أرض الطين، ولندخل معا الابن وأمه من ثقب ما».

«وشو دوا العشق يَحمد» ها أنت تتمرغ بالطين، ترقد بجوار فاطمة هناك حيث خور فكان ظلال الماء والذاكرة.

لم أكن أتخيل للحظة أن أسمع خبر رحيل الشاعر والباحث الأخ أحمد راشد ثاني، أو أقرأ نعيه في الجرائد وهي تتناقل منجزاته وكتابته وأبحاثه وصوره وما قدم لتاريخ وتراث هذا الوطن.. أو أن أقوم بالكتابة عن موته هكذا وبكل بساطة.. وهو الذي كان بالأمس يملأ الدنيا بكتابته ولفتاته الساخرة حتى وهو على فراش المرض.

لم يكن بالنسبة لي مجرد مبدع التقيته في محيط حياتي.. لكنه جسّد، ولا يزال، فكرة الإنسان المحمّل بوهج الأسئلة.
كيف لي أن أتلمس رائحة الموت بين سطور قام بكتابتها حينما كان يبعث بمقالاته الأسبوعية لي في مجلة «المرأة اليوم» وأطرد الفكرة والرائحة لأقنع نفسي أنه بخير كما أراد أن يكون، ويتشافى ليعود لاحتساء الكلمات والضحكات والمودة.

كتب في رسالة قصيرة ذات مقال أخير: «مرفوعة لك التحيات، فالليالي الباردة تشبه ألواح الآيس كريم، والشمس التي هدأت، تتنفس الآن بصعوبة تحت الغيوم.. صديقي فضل النقيب مات قبل أسابيع.. ماذا نفعل بالموت؟ سنرفع له القبعة طبعاً».

وها أنت ترفع قبعتك للموت سريعاً.. تاركا لنا حياة مريرة كالوردة.. بنوارسها وجبالها ونخلها وبحرها.. متجاوزاً التفاصيل والمكان.. هكذا وهبتنا نورانيّة السرد وانفتاح المدى لبانوراما في فضاء الثقافة الشعبية والحكايا والشعر.. تماماً كأنك فينا.. أو كأنّا فيك.. نصّاً وإنساناً.

ها أنا أفترش كتبك الآن تعويضاً عن غيابك أو بحثاً عنك لأكتب وجع الكتابة التي تتدثر بغبار نورس أبيض خرافي.. ماذا يمكنني أن أقول أكثر ورحيلك أكبر من كل هذه الكلمات، أو أن تستوعبه عقولنا المحاصرة بالزمان والمكان.. وأنت مسافر في الضوء.. في الغياب في اللامكان.. وللمرة الاولى أشعر بأن تجميع مادة عنك تحتويك ولا تحتويك أشبه بسياط تجلد الذات.
«إن صحتي بخير.. وأستعيد لياقتي تدريجياً، وسأنزل إلى الملاعب قريباً».
أحمد راشد ثاني.. نسيت أن أقول لك لا وداع لأنك بيننا.

wahag2002@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها .

تويتر