أبواب

أحمد راشد ثاني

سالم حميد

قد يرتاح الإنسان لشخص لا يعرفه من أول نظرة أو العكس، وهذا ما حصل معي قبل نحو 11 سنة، عندما التقيت الأديب الراحل أحمد راشد ثاني، للمرة الأولى في اجتماع رسمي حول الشأن الثقافي على المستوى الحكومي، وعادة ما أتعامل برسمية في الدوائر الحكومية، لكن الراحل فرض عليّ طريقته ونزع عني عباءة الرسميات، وكان يتعامل مع الجميع باستلطاف، كما لو كان يعرفهم جميعهم، رغم أنه التقى بعضهم للمرة الأولى، وأعجبت به لعدم تكلّفه وبساطته الشديدة، فهو شخص صريح وصادق وواقعي ويتكلم بحسن نية وطيب القلب ولطيف المعشر، ومبدع في مجاله، رغم الانتقادات التي سمعتها ضده من البعض الذين لا تعجبهم الطريقة التي يمارسها الراحل أثناء كتابته أشعاره أو أبحاثه، بل إن من صفات المبدع استحداث طقوس خاصة، قد يراها الشخص العادي أنها جنونية، لكن ما لا يدركه الإنسان العادي أن هذا المبدع يستلهم من هذا الجنون الكتابة الإبداعية، فالراحل أديب متمكن، كتب القصيدة الشعبية وقصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، وخدم الثقافة المحلية وقدم لها الكثير من الجهد، وذلك بمسح ثقافتها الشعبية، فهو أحد المختصين بتدوين السرد الشفاهي، ولا أريد هنا أن أردّد كلاماً مكرراً عن عطاء الراحل، ذكرته صحافتنا المحلية بعد فاجعة وفاته، ولم تقصر في ثنائه، لكن ما أودّ تأكيده هو أن الراحل أديب بمعنى الكلمة، ازداد علمه يوماً بعد يوم، وازدادت معه مودته وهيئته البسيطة التي لا تتغير، ولم يقل في يوم عن نفسه أديباً، رغم إنتاجه الإبداعي، عكس البعض، من الذين يُشبعون غرورهم بشتى الألقاب! وهذا هو الفرق بين المبدع والمستبدع.

قبل أكثر من عامين أهديته كتاباً شبه قصصي من تأليفي، وتوقعت حسب ما عهدت في الراحل من صراحة، أن ينتقد، بل أن يغلظ من الانتقاد، لكنني فوجئت بإعجابه به، وأخذ مني خمس نسخ أخرى ليوزعها على بقية أصدقائه، لأن الراحل لمس في كتابي الجرأة وتسمية الأسماء بأسمائها من دون حرج، فالراحل أديب جريء لا يجامل على حساب قناعاته، ويقدم إبداعه، رغم حالة الاختـلاف التي قد يواجهها أمام الآراء المخالفة، وخلال الأسابيع القليلة الماضية كنتُ متحمساً لتخصيص جلسة له في الدورة المقبلة من مهرجان طيران الإمارات للآداب في شهر مارس العام المقبل، الذي تسهم هيئة دبي للثقافة والفنون في دعمه مادياً ومعنوياً ولوجستياً واستشارياً، ليخبرنا الراحل بتجربته الشخصية في تدوين السرد الشفاهي التاريخي والحكواتي لتراثنا الشعبي، فالراحل يجيد البحث الميداني والمكاني العلمي المدروس، ويتحفنا بمقالات جميلة في ملحق «الاتحاد» الثقافي، لكن وفاة المحاضر حرمت الكثيرين من محبي أحمد راشد ثاني سماع تجربته وخبرته.

آخر مرة التقيته كانت قبل أشهر قليلة بمقر عمله في دار الكتب الوطنية بأبوظبي، وأبديت له حزني العميق على النكسة التي حلت به عندما احترق منزله في أبوظبي، وحرقت معه نفائس أوراقه ولوحاته، وتخيلت نفسي لو تعرضت كنوز المعرفة ونسخ الأرشيفات التي أحتفظ بها في مكتبتي الخاصة للحريق، ببساطة، سأصاب بنكسة عظيمة.

المؤسف أنه ترك طفلة لم تكمل عامها الأول بعد.. اللهم ارحمه وأسكنه فسيح جناتك.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر