يا جماعة الخير

كيد النساء مع أبي حنيفة

مصطفى عبدالعال

استأذنت امرأة على الإمام أبي حنيفة في فتوى، فلما أذن دخلت عليه في زينتها وأسفرت عن وجهها فقال: تستري، قالت: وقعت في أمر ولا يخلصني إلا أنت، ورؤيتك لي جزء من موضوعي، فانا ابنة البقال الذي على رأس الدرب، ويمر عمري، وأحتاج الزواج، وأبي لا يزوجني، ويقول لمن يخطبني: ابنتي عوراء قرعاء شلاء، وجئتك لتدبرني، فأراد الإمام إنقاذها لما استنجدت به، فسألها: أترضين أن تكوني لي زوجة؟ فانحنت تقبل قدميه وقالت: من لي بغلامك فكيف بك؟ فصرفها، وأحضر البقال ودفع إليه 50 ديناراً، وقال: زوجني ابنتك، وكتب كتاباً بـ100 دينار، فقال البقال: سيدي أنا ما لي بنت تصلح لك، فقال الإمام: دع هذا عنك، أنا رضيت بابنتك القرعاء الشلاء، فزوجه إياها، وتم العقد في مجلس أبي حنيفة، فلما كان المساء جاء الرجل حاملاً ابنته مع غلامه، فلما نظر أبوحنيفة إذا بفتاة قرعاء شلاء غير التي رآها، فقال ما هذا؟ قال البقال: أشهدك أن أمها طالق إن كانت لي بنت غيرها، ففهم الإمام أنه وقع في مكيدة، فقال: الـ50 ديناراً لكم، وهي مني طالق، وأعد عليّ ما كتبته لك، واتفقا ورجع الرجل بابنته.

أخذ أبوحنيفة يفكر حائراً في كيد تلك المرأة حتى جاءته بعد شهر متشفية فيه! فقال: ما حملك على ما فعلت؟ قالت: وأنت ما حملك على أن زوجتني رجلاً فقيراً؟ وأهلي ما زوجوني له إلا بشفاعتك وشهادتك فيه وذكرَته بزوجها.

فلنرجع إلى قصة زواجها لما أتى رجل تقي إلى أبي حنيفة وأخبره بأنه يحب تلك المرأة ويريد خطبتها، لكنه يعلم أن أهلها لن يزوجوه لقلة ماله، فأراد الإمام أن يساعده لصلاحه، دون أن يكذب، فقال له: أتبيعني عضواً من جسدك باثني عشر ألف درهم؟ قال: لا، قال فاذهب لخطبتها وأخبر أهلها أن يسألوني عنك، فخطبها وجاء أهلها يسألون الإمام عنه، فقال: أنا لا أعرفه، إلا أنه حضر عندي يوماً وعُرض عليه اثنا عشر ألف درهم في شيء يملكه ولم يبعه، فقالوا: هذا يدل على أنه ذو مال فزوجوه، فلما عرفت المرأة فقر زوجها بعد ذلك استسلمت وأعطته من مالها، لكنها أضمرتها لأبي حنيفة حتى فعلت ما فعلت!

شتان بين مكر الإمام ومكر المرأة، فهو أراد ألا يقف حالها بسبب فقر الرجل، لأن المال ليس كل شيء، ثم إنه بحيلته أدرك طمعهم واعتمد على أن الله يرزق المتقين (وأكد ذلك أنها استمرت معه ولم تطلب الطلاق بحجة الفقر)، أما هي فغررت بالإمام واستخفت بشهامته، وأجرمت بكسر قلب فتاة كسيرة، وبوالدين كانا في حالهما وأرغمهما الإمام وهو المعروف بتحمل بلاء الناس، ثم هو جبر خاطرها يوم عرضت عليه نفسها.

شتان بين المكر المحمود الذي يرضاه الله لفعل الخير، والمكر السيئ المذموم الذي يلعنه الله في فعل الشر، ففي المكر الحسن قال سبحانه عن نفسه:{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }، [الأنفال 30]، أي يكشف مكر الماكرين ويفسد عليهم خططهم حتى يستدرجهم من حيث لا يشعرون، أما في المكر السيئ فقال:{وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السيئُ إِلا بِأَهْلِهِ }[فاطر43]، محذراً كل من يستخدم ذكاءه لإفسادٍ أو ضلال أن الحساب عنده سبحانه.

المستشار التربوي لبرنامج «وطني»

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر