5 دقائق

أناشيد لـ «اللّطم»!!

ميره القاسم

أتساءل طول عمري: لماذا بعض الأناشيد الدينية عندنا في الخليج تتسم بالحزن المفرط لدرجة تشعرك «إن في حد ميّتلك»، همهمات حزينة وتنهدات مصاحبة لتلك الأناشيد تنذرك بأنك ذاهب للعذاب، فلماذا يربط هؤلاء الدين بالحزن؟! منشدون يبعثون الحزن فينا، ويبكوننا بأنشودتهم رغم أنها تتضمن كلاماً مفرحاً ومتفائلاً، لكن النبرة التي يؤدون بها تلك الأناشيد تنفّرك حد الانقباض، وأستثني المنشد الشيخ مشاري العفاسي الوحيد الذي خرج من هذا الرتم وقلب موازين الأنشودة الدينية منذ أن أنشد «طلع البدر»، و«إلا صلاتي»، وأناشيد أخرى تبعث على انشراح الصدر، وهو الوحيد الذي جذب أذنيّ لأستمع لأناشيده - ولم أكن يوماً أهتم إلاّ قليلاً بسماع ذلك اللون - ونقلتها إلى أولادي بكل حب ورضا.

كل البرامج الدينية تتقدمها همهمات حزينة، كأنها نواح، تشعرك بأنك ستبكي وتلطم من فرط الحزن والشجن الذي اكتنفها، حتى إذا جاء وقت ما قبل الأذان في التلفاز تأتي تلك الآهات أو عزف ناي حزين كأنه يعدّك لاستقبال موكب جنائزي لا للدخول في حالة روحانية جميلة تناجي فيها ربك.

حقيقة أميل لاستماع التواشيح السورية والأناشيد أو الابتهالات الدينية المصرية والسودانية، فمن منا لا يتذكر الفرق السورية المنشدة، وأناشيد محمد منير ورباعياته في رمضان، وحتى حسين الجسمي الذي أنشد رباعيات في حب الله والرسول، وابتهالات النقشبندي، ذلك الصوت الشجي الذي بمجرد أن تستمع إليه تجد نفسك سابحاً في بحر من الروحانيات وهائماً في الملكوت كأنه قبس من نور «ماشي بنور الله أدعي وأقول يا رب»؟ أناشيد تبعث على الفرح والحماسة بألحانها المحببة إلى النفس، لا همهمات ومناحات كأنك داخل مأتم للطم!

كثيراً ما يرسل لي الأصدقاء «لينكات» على «الآي فون» تتضمن مواعظ مصورة من «اليوتيوب» لشيخ دين يحثك على أهمية صلاة الفجر، أو نصيحة تذكرك بأن الجنة تحت قدم والدتك، إلاّ أنني وبكل صراحة لا أستطيع أن أكمل مشاهدة تلك المقاطع لانزعاجي وانقباض روحي من تلك الهمهمات المميتة المصاحبة للمقطع.

أيها المنشدون، قليلاً من الرأفة بنا، نريد أن نشعر ونحن نسمعكم بالفرح والتفاؤل لا بالحزن والبكاء! هل من الضروري أن يكون الخطاب الديني مرتبطاً بالحزن والغم؟! ولا أدري لماذا يربط البعض الدين بالخوف والكآبة حتى أصبحت صورة الرجل المتديّن مرتبطة بالتجهم والعبوس، ولا أعلم لماذا تبادر إلى ذهني للحظة الترانيم الدينية لبعض الأديان الأخرى! في الخليج أيضاً تجد المسلسلات تعج بالصراخ والنواح والمآسي الهندية والفواجع والضرب والطلاق والإفلاس، و«موت وخراب ديار»، وما هكذا تورد الإبل، فنحن بحاجة إلى مفهوم صحيح للأمور المصاحبة للدين، ونظرة جديدة للدنيا.. نريد أن تختفي صورة الواعظ المتجهم الذي يصرخ كأننا لا نسمعه، نريد أن نجذب أجيالنا الصاعدة إلى صحيح الدين ونحصنّهم بآدابه وتعاليمه السمحة، أن نسمعهم أناشيد ترّوح عن أنفسهم ويحبونها.. نريد أن يكون الإسلام مرادفاً للفرح والحب والسعادة، لا الخوف والتجهم وبكائيات تنفّرك.

wahag2002@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها .

تويتر