يا جماعة الخير

إياكم أن يمشي الحق!

مصطفى عبدالعال

تأنق الباطل في أحلى الملابس وأخذ كامل الزينة مع تحسينات يعرف أنها تأسر القلوب بالفطرة، كحمل المسبحة والمحافظة على مظاهر العبادات، وركوب أفخم السيارات - عن طريق البنك طبعاً - وأصبح مشاركاً في كل جماعة وفي كل منتدى وفي المساجد والكنائس ومجالس العلم ومواقع العمل، وبين أفراد الأسر وبين بطانة كبار القوم وعلمائهم على اختلاف تخصصاتهم ومناهجهم، ولم يترك جامعة ولا مدرسة ولا مؤسسة إلا وألقى بها شباكه على كثير من الطيبين الذين يحرجون من إعلان صداقتهم ومحبتهم لعدوه اللدود، رغم أن عدوه اللدود هذا أجمع الكل على احترامه بل وتقديسه لبساطته وشهامته، فما ظهر بين متخاصمين إلا أصلح بينهما، ولا دخل في تقسيم إرث إلا عدل، ولا جلس أبداً مجلساً فيه نفاق أو رياء أوظلم، ولا أخذ من أحد شيئاً إلا كان في أخذه كل الخير، ولا أعطى إلا وفي عطائه البركة، ولا تعرف إليه زوجان إلا عرفا معنى السعادة، ولا رجع إليه أحد في خلاف أو مشكلة أو معضلة إلا وجد عنده الحل السحري، وما أسهل أن يتعامل معه الصغير والكبير بلا ألقاب ولا مقدمات، بل بمجرد ذكر اسمه المكون من حرفين.. فقط حرفان.. بل ومن أسماء الله سبحانه.. تصوروا من أسماء الله الذي ما أنزل الكتب ولا أرسل الرسل ولا خلق النار والعذاب إلا لمحاربة الباطل، بل وما أرسل الرسل ولا أنزل الكتب ولا خلق الجنة إلا من أجل مناصرة خصومه،أ خصوصاً عدوه اللدود هذا الذي سماه سبحانه بنفسه ومنحه اسمه ودعا الناس لاحترامه وتقديسه، بل وجعل صداقته عبادة وتقرباً إليه.. إنه الحق.

ونظراً لمكانة الحق في كل النفوس فإن الباطل لا يجرؤ أبداً على الصدام معه بل إنه في معظم الأحيان يدعي صداقته الحميمة، وكثيراً ما يتحدث باسمه، والناس لحبهم الفطري للحق ينخدعون بمعسول كلام الباطل عنه ويصدقونه كثيراً حين يتحدث باسمه، رغم أن قلوبهم دوماًأ تنكر هذا الباطل ولا تطمئن إليه، ولكنهم حرجاً يوافقونه أو لا يراجعونه، ثم لا يلبث أحدهم أن ينشغل بهمومه وبالمخادعات الجديدة فينسى تحذيرات قلبه.

وكم من موقف يجمع الحق مع الباطل، والحق من قوته وشدة ظهوره لا يتحدث ولا يدافع عن نفسه، وينتظر كلمة من منصف أو على الأقل رداً على أفعال وأقوال الباطل الملتفة دائماً، والتي من كثرة التكرار تكون واضحة وضوح الشمس.

لكن الحق ثابتٌ مهما التف الباطل، وواثقٌ مهما كثر المغرورون بالباطل والمغفلون بمظاهره، وتاريخ الحق محفوظ لا على مستوى الأفراد بل على مستوى العالم والعوالم الأخرى، فحقائق الأكوان كلها من طب وعلم وفلك وغيرها بناته، وثباتها صادر عنه، فصلاحيته بضمان خالقه الذي منحه اسمه وفي حفل تنصيبه حياه سبحانه بقوله: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَق وَالْبَاطِلَ فَأَما الزبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَما مَا يَنفَعُ الناسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْض}. (الرعد: 17). لكن الحق يحذركم: إن اختلف معه الباطل على الطريق ويريد الباطل الركوب معكم فسألكم الباطل: من منا يمشي أنا أم الحق؟ فحذار أن يقول مغفل: الحق هو الذي يمشي!

المستشار التربوي لبرنامج «وطني»

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر