أبواب

دجاج يبيض ذهباً

قيس الزبيدي

يختزل مصطلح العولمة جميع معطيات العصر في كلمة واحدة، ويموه هيمنة منظومة ما فوق الليبرالية التي تضع يدها، من دون أنْ تكون رسمياً في السلطة، على مجموع ما تتحكم فيه السلطات على مستوى كوكبنا الأرضي. تفتتح الناقدة الأدبية في صحيفة لوموند فيفيان فورستي كتابها «الرعب الاقتصادي»- ترجمة سلمان حرفوش- دار كنعان 2011/ دمشق بجملة محورية تكون منطلقاً لدراستها الشاملة: في كل يوم نرى الفشل الذريع للنظام الليبرالي في حدوده القصوى، ونرى منظومته الأيديولوجية تنهض على عقيدة التنظيم التلقائي ذاتياً لاقتصاد السوق الذي تدعي أنه يُمثل النمط الأوحد لأي مجتمع ممكن. وبناء على ذلك أصبحنا نعيش في ظل نظام سياسي كوني، لا تَحدّه حدود جغرافية، نظام يستخدم شعار اقتصاد سوق مُهيمنة ستارةً، ويزداد تحوله إلى المضاربة تدريجياً، ويتخبط داخل اقتصاد كازينو، غير مبال بالمداخل الحقيقية، ويمارس حضوره من دون هوية معروفة، خارج تناول الحواس والإدراك.

لقد أصبحت العولمة قدرنا، ولم يعد علينا سوى أن ننسحق تحت رحمتها التي لا تعرف سوى توفير الأرباح الخيالية للاقتصاد الخاص بسرعة هائلة وبأي ثمن. وأصبح ازدهار مشروعاتها كدجاجات تبيض ذهباً، بينما هي لا تسعى في الواقع إلا لزيادة الأرباح التي يجنيها أصحاب الأسهم، لكي ترتفع حصصهم في البورصة ارتفاعاً حاداً، وليحققوا هدفهم في خفض كلفة العمل عن طريق تسريح العاملين بالجملة: في السابع من مارس 1996 أعلنت الشركة الأميركية العملاقة للاتصالات عن 40 ألف تسريح، وأعلنت سوني عن إلغاء 17 ألف وظيفة، وأعلنت شركة الكاتل عن تسريح 12 ألف موظف، كما أعلنت شركة الاتصالات الألمانية المُخصخصة عن تسريح 70 ألف موظف.

الجدير بالذكر أن كل هذه التسريحات حصلت في شهر واحد ولم تتوقف، إنما أخذت تستمر عاماً بعد عام، بحجة مقولات تزعم أن التوظيف مرتبط بالنمو، والنمو بالتنافسية، والتنافسية بالقدرة على مكافحة البطالة التي لا تتحقق إلا عن طريق التسريح. النتيجة: يعيش تحت خط الفقر أكثر من 35 مليوناً في أميركا و12 مليوناً في بريطانيا وثمانية ملايين في فرنسا.

وكما يبدو اليوم، فإن أبطال التجمعات الاحتكارية العملاقة غير مؤهلين للتحكم في الكارثة، ولا يبالون بالشعوب الضحية، ولا يهمهم سوى ترقيع أسواق مالية عصية على كل تحكم، أو الحصول «بالمزاد العلني على ما تبقى من البلدان المطروحة للبيع بأبخس الأسعار».

في كل مكان وزمان عاشت ديكتاتوريات متخفية لم تعلن أنها تسيطر على السلطة، بل أتاحت لها عوامل سلطتها الخفية أن تمسك بزمام الذين يمسكون بالسلطة: ديكتاتورية قوة مالية عُليا من دون ديكتاتور وأيديولوجيا ربح تمسك بزمام من يمسك بالسلطة.

كيف يمكن الخروج من هذا الفخّ الكوني؟ في خاتمة دراستها تبين الكاتبة أن الخروج من هذا الفخ لا يطلب منا تحريك عصا سحرية، بل يطلب منا الانخراط في مقاومة هذا النظام الاقتصادي المرعب، لكي يتوقف عن معاملة البشر كما لو أنهم أشياء زائدة لا لزوم لها، وها نحن اليوم نشهد مثل هذه المقاومة تعبر المحيط الأطلسي، وتحول شعار اقتصاد السوق إلى شعار «احتلوا وول ستريت» بداية في نيويورك، لينتشر هذا الشعار كفيروس في مدن العالم.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر