كل جمعة
فيتو
حقّ النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، هو أكثر «حقّ» مُسخّر لخدمة الباطل حقيقةً لا مجازاً، وهو ليس «حقّا» بالمعنى المعرفي المجرّد للكلمة، بل هو تجسيد لحكم القوة، وهيمنتها على البشرية، بمعزلٍ كاملٍ عن المبادئ والأخلاق، وسائر القيم الإنسانية.
الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن: الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا، تملك ـ بإشارة صغيرة من أصابع مندوبيها ـ إجهاض أي قرار مهما كان، وإن مسّ حياة الملايين من البشر في أي بقعة في العالم، في صورة استعلائية، تعبر عن عنجهية القوة، وفصامها الصريح.
فأميركا وبريطانيا وفرنسا ديمقراطيات راسخة، وتتطلع الشعوب الأخرى إلى أنظمتها السياسية وقوانينها بوصفها نماذج، لكن الدول الثلاث لا تتردد في التعبير عن الازدواجية والفصام، وهي تمارس أسوأ أشكال التناقض مع الحرية والديمقراطية، حينما تُعيق بـ«الفيتو» مصالح وحقوقاً للبشر، ما يمثل اعتداء على العدالة والقانون الدولي نفسه.
مثلاً، وبوضوح شديد، فإن الولايات المتحدة تحرس بـ«الفيتو» كياناً نازياً مثل إسرائيل، يمارس يومياً إرهاب دولة ضد أكثر من شعب عربي، وهي بكل قيمها «الإنسانية»، أيّدت إسرائيل في قتل الأطفال وإحراق جثثهم، حينما منعت باستخدام «الفيتو» قراراً دولياً يُدين ارتكاب إسرائيل مذبحتي صبرا وشاتيلا في لبنان العام ،1982 وشجّعت بالأسلوب نفسه إسرائيل على سلوك طريق العصابات الإجرامية، عندما رفضت إدانتها بخطف طائرة ليبية مدنية العام ،1986 وأطلقت يدها في الاستيطان أيضاً، حينما استخدمت «الفيتو» ضد قرار يرفض بناء المستوطنات في القدس العام ،1997 ويُحصي باحثون أنها استخدمت هذه الوسيلة الظالمة أكثر من أربعين مرة في أربعة عقود ضد العرب والفلسطينيين.
وفعلت بريطانيا وفرنسا ما لا يقلّ سوءاً، ضد الإجماع الدولي، وضد الديمقراطية، واحترام الأغلبية، وعلى الرغم من الهزات الكبيرة التي تعرضت لها موازين القوى، ومعها الأحداث الكبيرة، من حروب ساخنة وباردة، وسطوع دول، وأفول أخرى، إلا أن هذه الثقافة المبتذلة ظلت صامدة، وعصية على الانهيار.
الآن، تريد روسيا، وريثة الاتحاد السوفييتي الشمولي، استغلال هذه الميزة التي اكتسبتها بعد الحرب العالمية الثانية، في منع العالم من وقف القتل اليومي في سورية، وقد حان حينها، ولا يهم إذا كان المجتمع الدولي في حال شبه إجماع على ضرورة إنقاذ الأطفال والناس في بيوتهم في سورية من قذائف صاروخية ومدفعية عمياء، لا تعرف أين تقع، في أي بيت، وعلى أي سرير، وفي أي غرفة.
دول كثيرة في العالم تضررت بشدة من «الفيتو»، لكنه لايزال يُرفع في وجه الحقوق والعدالة والقيم، ولايزال التعامل معه يجري على أساس أنه ظلم مكتسب لا سبيل إلى إنهائه. فالدول العشر في مجلس الأمن التي تنتخبها الجمعية العامة للأمم المتحدة كل عامين، لا تقدم ولا تؤخر شيئاً في قرارات المجلس، وحضورها رمزيّ أو شكلي، لأن أي قرار نافذ لابدّ أن يحظى بإجماع الخمسة الكبار، الذين يملكون «حق النقض»، ويملكون ترسانات من الصواريخ المدمرة، وكثيراً من حاملات الطائرات والبوارج، ولا ننسى القنابل النووية، وعلى من لا يملك أن يقبل بكل أذى، وبكل ظلم، وبكل «فيتو».
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .