أبواب

السيمفونية لها احترامها

سالم حميد

منذ فترة لم أشعر فيها بالسمو الروحاني السيمفوني، لكن الفرقة السيمفونية لدار الأوبرا الوطنية الصينية أحيت ذلك الشعور مجدداً مساء الأحد الماضي على مسرح مؤسسة سلطان بن علي العويس، خصوصاً تلك المقطوعات الصينية الفولكلورية الجميلة الممزوجة بسحر الأوركسترا. يُذكر أن مشاركة دار الأوبرا الصينية تأتي ضمن احتفالات الصين الأخيرة بالسنة الصينية الجديدة، وكذلك احتفالات مؤسسة «العويس» بيوبيلها الفضي ومرور 25 عاماً على تأسيسها، فجزيل الشكر لمؤسسة «العويس» على تعاونها مع وزارة الثقافة الصينية ومبادرتها باستضافة تلك الفرقة الصينية، وهذا ليس بالغريب على «العويس» التي لطالما عودتنا استضافتها فعاليات فنية متنوعة وراقية من مختلف الشعوب والقارات، وكل عام و«العويس» بألف خير وبالمزيد من الرقي الثقافي.

إن أكثر ما يزعجني عند مشاهدتي مسرحية أو فيلماً أو حفلة موسيقية سيمفونية بعض الأشخاص الذين لا يقيمون وزناً ولا احتراماً لبقية المشاهدين المستمعين المهتمين بمشاهدة وسماع عروضهم المفضلة، ويتحادثون بصوت عالٍ في الصالة كما لو كانوا في مقهى شعبي، فتتداخل أصواتهم على نحو مزعج وتفسد عليك. وهذا ما حدث، فسيدة كانت تجلس بجواري سرعان ما نامت عندما استمعت إلى المقطوعة الثانية، وبدأ شخيرها يعلو، ثم ألقت بجسدها على كتفي، ومن حسن حظي أن الصالة كانت شبه مملوءة واستطعت أن أجد لنفسي مكاناً آخر، لكن الأمر لم ينته، فبعض الناس اصطحبوا معهم أطفالهم! ثم ما لبث أن بدأ الضجيج من بكاء بعض الأطفال الذين لم تعجبهم على ما يبدو المقطوعات الموسيقية! في أوروبا، من المستحيل أن يُسمح للأطفال بدخول قاعات الحفلات السيمفونية كي لا يفسدوا على الكبار سماعهم مقطوعات يتم التعامل معها باحترام عظيم، يصل إلى درجة أنه يتعين على الجمهور ارتداء الملابس الرسمية فقط عند دخول القاعة، فالعازف والمايسترو والسوبرانو عند أدائهم إبداعاتهم فإنهم يسافرون إلى عالم روحاني آخر، يشاركهم السفر معهم المستمع المتذوق، فأي ضجيج، ولو كان بسيطاً، يدمر الحالة الروحية للفنان وللمستمع المتذوق، لكن هذا حسب المفهوم الغربي، إذاً، ليس من المستغرب أن تصادف قلة الذوق من بعض أهل الشرق أمام عملاق اسمه الموسيقى السيمفونية.

في عام 1999 حضر إلى أبوظبي الفنان اللبناني المتمكن مارسيل خليفة، ليقدم لنا مقطوعات خصيصة، كتب كلماتها الشاعر والأديب الإماراتي محمد أحمد السويدي، وكانت أكثر من رائعة على مسرح المجمع الثقافي، وكُنت حينها أحد الإماراتيين المعدودين على الأصابع الموجودين في القاعة، وقبل أن يبدأ مارسيل تقديم إبداعه الفني تقدم نحو مقدم الحفل وخاطب الجمهور قائلاً: « أرجوكم اغلقوا هواتفكم النقالة، فلو كان رنين الهاتف يتمازج مع الموسيقى لأدخلناه، لكنه لا يتمازج »، ورغم رجاء مارسيل الجمهور بضرورة احترام موسيقاه، كان رنين هواتف الجمهور النقالة يصدح في أرجاء القاعة طوال الوقت، وعندما وصل الأمر حده أوقف مارسيل الأداء، فتقدم أحد المسؤولين في المجمع وطلب مجدداً من الجمهور احترام العرض، لكن لا حياة لمن تنادي!

لفت نظري قبل أسابيع قليلة خبر جاء فيه أن رنين هاتف نقال لشخص واحد فقط، فقط واحد، أوقف عرضاً سيمفونياً تماماً في أحد مسارح نيويورك! بالفعل، السيمفونية لها احترام خاص لمن يفهمها.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر