يا جماعة الخير

كلمة الرجل من شهامته

مصطفى عبدالعال

عمر بن الخطاب مضرب الأمثال في شهامة الرجال، واحترام الكلمة أعلى درجات الشهامة.. جيء بالهرمزان أسيرا بين يديه بعد حرب ضروس نكل فيها الهرمزان بالمسلمين، فوقف بين يدي أمير المؤمنين مع اثني عشر من رجاله المأسورين معه، وقد كان بينهم طاووساً يزهو ويأمر فيطاع، وموقفه الآن بلغة الحروب فرصة لأمير المؤمنين ليضرب به مثلاً، ويجعل التشفي منه عبرة لغيره من الذين تعدوا من دون حق بل جاروا على كل حق.

وليس الأمر مجرد خلاف شخصي إنما هو حرب فيها قتلى وحقوق وعهود ومواثيق، وقل ما شئت في موقف أمير المؤمنين المنتصر على من بغى وتجبر..

وحدث حوار بين الهرمزان وعمر أيقن منه الأول أنه مقتول، لكنه أراد أن يلجأ إلى شهامة عمر والتزامه بالكلمة وقد عرفها من سيرته، فقال: هل لي أن أطلب ماءً لأشرب؟ فقال عمر: نعم فلن أجمع عليك القتل والعطش، وأمر عمر له بالماء، فأمسك الهرمزان بالإناء ولم يشرب! فقال عمر: اشرب لا بأس عليك إني غير قاتلك حتى تشربه، فرمى الهرمزان بالإناء من يده، فأمر عمر بقتله، فقال الهرمزان أو لم تؤمّنّي؟ قال عمر: كيف؟ قال: قلت لي لا بأس عليك. قال الزبير وأنس وأبوسعيد: صدق، فقال عمر: قاتله الله أخذ أمانا ولا أشعر! وهكذا خرج الهرمزان من مجلس عمر حرا طليقا، لأن عمر احترم كلمة قالها.. وكانت شهامة عمر سببا في أن أسلم الهرمزان بعد ذلك.

تلكم القصة كان يمكن اختصار مقدمتها، لكن الاكتفاء بهذه الصورة وتكبيرها وإلقاء الضوء عليها من دون سرد غيرها، وهو كثير، يعطي الفرصة لندقق في تفاصيلها، فهو مشهد يحتاج إلى تأمل من كل من يغدر بكلمته أيا كان موضعه ومهما كان أطرافها.

فلن يقف أحدنا موقفا يتمنى فيه التشفي أكثر من موقف عمر، ولن يجد أحدنا نفسه في موقف أقوى من موقف عمر، ولن يجد أحدنا أن الحق معه كما كان مع عمر، ولن يزعم أحدنا أنه كان مطالبا بالحزم وتثبيت مكانته كما كان موقف أمير المؤمنين بعد حرب بين مسلمين وكفار أوذي فيها جنده، ولن ولن ولن.. فالسؤال إذاً: عند غدرك بكلمتك، أو عند غضبك وانتقامك أو عند تناسيك المروءة، إذا ما أمسكت زلة على خصمك أو تمكنت من الإيقاع به في باب آخر غير الذي تتخاصمان فيه أو إذا حدثتك نفسك بأن تشوه صورته أو تفسد عليه امرأته وأولاده ورؤساءه أو تؤذيه في عمله أو ماله وأهله، أو تسعى لتعطيل مصالحه أو تستغل نفوذك للتضييق عليه أو إجباره على الخضوع لك.. عموما إذا زينت لك نفسك عملا ضد مكارم الأخلاق وشهامة النبلاء واحترام الكلمة، فذكرت قصة عمر مع محاربٍ كافرٍ أسير، هل لك في قول الله عز وجل:

{أُوْلَـئِكَ الذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}؟

المستشار التربوي لبرنامج «وطني»

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر