من المجالس
روح مختلفة
على الرغم من أن الكاتب قد يجتزئ الحقيقة أو يقدم المعلومة ناقصة أو تخونه عباراته أحياناً، وعلى الرغم من أن تعليقات بعض القراء ربما يجرفها الغضب إلى خارج النص، ويجنح بها سوء الظن إلى تصعيد المقال إلى ما لا يحتمله المقام، إلا أن المحصلة النهائية لهذا الأخذ والعطاء في الحوار، أو حتى الجدال، تصب في عملية تنشيط الحراك، وفتح المزيد من آفاق التحاور والتجاذب، تكون المعرفة هي أسها وعنوان كل ملفاتها.
سواء كانت المصارف الإسلامية على هدى أم في ضلال، وسواء كان هناك «اقتصاد إسلامي» أم لم يكن، وسواء قبل أحدنا بتواتر فصول التاريخ وصدّق بها أم ظهر أحدهم ليقدم رواية مختلفة ويسرد قراءة أخرى ويستعرض تحليله الخاص، فإن المحصلة تدفع باتجاه بيئة جديدة تعصف بالأفكار وتنقلها من واقع التخندق في حصون اللون الواحد إلى فضاء يتسع للمزيد من الألوان التي تكمل المشهد، وإن نشزت عن بعض تفاصيله.
هذه الروح قد نلمسها في مرحلة التحاور والتجاذب الإلكتروني، في وقت تشتد فيه أحياناً رياح ساخنة معبأة بسموم التنابز والتشاحن والتفاخر بأمور يحاول كل رامٍ أن يجعلها سهمه الخارق. فالحديث في المعاملات ونبش العلاقات بين المؤسسة والمستفيد، مصرفاً كان أم وزارة، وإعادة تسمية الأمور بأسمائها الصحيحة، والتدرب على الاستماع والتعرف إلى رأي وفكر الغير، وكظم الغيظ عند الاختلاف، واحترام صاحب الاختلاف، والمطالبة بالدليل، والتعود على توفير الحجج والبراهين.. كل هذه قيم بدأت تظهر علاماتها في ما يُكتب من تعليقات ويُدوّن من مساهمات، ولن تنتهي روح التقاذف والتنابز، فتلك طبيعة بشرية لا نحتكرها، وإن تفوقنا فيها، لكنّ روحاً جديدة للحوار أصبحت من تباشير هذا الحراك، حري بنا أن نلتفت إليها!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .