أبواب

مأزق الاقتصاد الإسلامي (2)

محمد المرزوقي

أسوأ ما في كتابة المقالات أنّك تضطر فيها إلى حشد كميّة هائلة من المعلومات في ما لا يزيد على 500 كلمة، لشرح وجهة نظر لا تستغرق منك في الحياة العاديّة أكثر من كوب قهوة في مقهى، تستطيع أن توضّح فيه كل ما لديك حتّى قبل أن ينتهي كوب القهوة! ومع أن مقالي السابق كان شديد الوضوح، إلا أن المرء يضطر أحياناً إلى إشعال شمعة ليتمكن البعض من إبصار الشمس. وهذا المقال هو محاولة لإشعال الشموع. بعض الكتاب اختزل مقالي كاملاً في حادثة «عام الرمادة»، وقال في البعض ما لم يقله مالك في الخمر، وهذا أمرٌ متوقع؛ فإنّ أحداً في مجتمعاتنا العربية القائمة على تقديس التّراث، لا يستطيع أن يناقش هذا التّراث بالحجّة والمنطق من دون أن يفقد سمعته.. وفي أحيان كثيرة رأسه أيضاً، مع أنّ ما ذكرته لا يشكّل أي نوعٍ من أنواع الانتقاص للخليفة عمر. ففي الاقتصاد - كما في غيره من المجالات - « الوقاية دائماً خيرٌ من العلاج »، وعدم اعتماد الدولة الإسلامية في عهد عمر سياسة تكوين احتياطي مالي سنوي لسدّ حاجات النّاس في حال وقوع الكوارث والمجاعات كان خطأً اقتصادياً، خصوصًا أن بيت المال قد دخلته أموال كثيرة قبل عام الرّمادة بأربع سنوات لدرجة أنّ عمر قال: « قدم علينا مالٌ كثير إن شئتم أن نعدّه لكم عداً، وإن شئتم أن نكيله لكم كيلاً»!

بعض الآراء الأخرى جاءت لتقول إنّ ما يعرف بالاقتصاد الإسلامي انطلق من نقطة الصّفر، وإن جميع الآليات والقوانين التي يملكها في حوزته، هي من اختراعه وصناعته. وهذا الكلام لا يتورّط في ترديده سوى شخص متعصّب؛ إذ ليس هناك في التّاريخ وجودٌ لقوانين اقتصاديّة مسبقة الصّنع، توضع قبل نشوء السوق. فالسّوق توجد أولاً ثم توضع القوانين والأنظمة المنّظمة لها. فالقوانين والآليات والأنظمة المالية التي كان يمارسها العرب في الجاهلية، جاء الإسلام ووضعها في إطار أخلاقي وسمّاها بالاقتصاد الإسلامي. وهذا الأمر لا يجب أن يشكل إزعاجًا لأحد، فجميع الحضارات قامت على استيراد الأفكار من حضارات أخرى، ولا يوجد أمّة ( إسلاميّة كانت أو غير ذلك ) قد سقطت فجأة من السّماء مزودة بأفكار وأنظمة جاهزة. لنأخذ مثلاً مفهوم الزكاة، وعلى عكس ما يظن كثيرون، فهذا المنتج ليس مرتبطاً بالإسلام فقط؛ فاليهوديّة عرفت الزكاة أيضاً، وهي كلمة مشتقّة من أصل الكلمة الآرامية « زاكوت » ومعناها الطهر. كما عرفت الزكاة أيام المسيح أيضاً لقول القرآن على لسان عيسى « وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً ». عموماً، كان أفضل عصر أُدّيَت فيه الزكاة هو عصر النبي والخلفاء من بعده، ولم نسمع أن الفقر قد انقرض في حينه!

ولنأخذ فكرة « بيت المال »، وهي فكرة إسلامية نجحت في تطبيقها دول غير إسلامية كالسويد. في مقال نشرته صحيفة « الاقتصادية » يوضح ليون برخو كيف تدار الأمور في بيت المال السّويدي. فميزانية الدولة الهائلة في متناول الجميع، حيث بإمكان أي مواطن سويدي - إن أراد - أن يدقق في كل أبواب الصرف ومساءلة أي مسؤول، إما من خلال الهاتف أو الإيميل! ولأن حق المواطنين مضمون في بيت المال، تمت زيادة مرتّبات العاطلين عن العمل والمرضى والمعاقين مع اشتداد الأزمة الاقتصادية!

ما أود قوله هو أن أي فكرة جيدة يصنعها أي إنسان تصبح ملكاً مشاعاً لجميع الناس. وفي حين أن قواعد وقوانين الأديان ثابتة فإن أفكار الناس متغيرة بتغير الزمان والمكان!

al-marzooqi@hotmail.com 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر