يا جماعة الخير

هل أنت مفكّر؟

مصطفى عبدالعال

المفكر هو من يتأمل كل موقف حوله ويفكر بعمق في الدوافع والأسباب والنتائج ثم يخرج بفكرة يستفيد بها هو وغيره لاكتساب خبرة أو حل مشكلة.

وهو الذي يبحث عن أسباب ودوافع زوجته حين لا تتجاوب معه، فإن وجد مشكلة حلها، وإن فطن إلى أسلوبه غير المقبول منها غيره، وإن أحس بضغوط عليها عمل على رفعها أو على الأقل أعانها ولو بكلمة تشعرها بأنه يشعر بها.

وهو الذي لا يتوانى عن التفكير لإيجاد حل يصلح بينه وبين أقاربه وأرحامه، حتى لو كان فيهم المُشاحن أو كثير الطلبات أو المسيء في التعامل، فيأخذ كل فرد بأسلوب يقيه شره ولا يقطع حبل الصلة ولو في حدها الأدنى، فالحد الأدنى - على الأقل- يوقف المشاحنة والبغضاء واتساع الهوة بينه وبينهم، عاملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: «تهادوا تحابوا».

والمفكر هو الذي يتعامل بحكمة للتوفيق بين زوجته وأهله، بما يحفظ لكل طرف حقوقه وحدوده، ويحرص على مداومة الصلة لتدوم المودة فلا يدخل شيطان من شياطين الإنس أو الجن بينهم.

وهو الذي يتأمل في صلته بزملائه ورؤسائه ومرؤوسيه في العمل، وينظر إلى عدم تجاوبه مع بعضهم أو العكس، ويبحث عن الدوافع والأسباب، ويعمل جاهدا على الخروج بأفكار تقرب بينه وبينهم، وكيف يخلق المودة بحسن التعامل مع الكل بقدر وسعه وفي حدود إمكاناته ومن غير تعدٍ على الأصول وقواعد العمل.

وهو الذي يتفانى حتى يشجع في مرؤوسيه الانتماء والعطاء، فيفتح لهم مجال التفكير ويعطيهم مساحة الحركة ولا يجعل كل الخيوط بيده ليحوجهم دائما إليه، فربما كان ذلك لإرضاء نزوة السيطرة وأمراض إثبات الذات والتحكم ولن يصب لمصلحة العمل.

وأهم قواعد التفكير الصائب ألا يكون للمناظرة وكشف العيوب والتغافل عن النتائج وعدم الاعتبار بالتجارب.

أما الذي يعجز عن تطبيق ما سبق فهو في حاجة إلى دورات مطولة لتحصيل نسبة ذكاء ثم يعمل بعد ذلك على تنميتها ما استطاع، لأن استدامة الإنسان على سلوكيات تعكر صفوه وصفو غيره هي عين الحماقة، ثم يزعم أنه من أصحاب الفكر المرموقين!

وكذلك المرأة العاقلة، فإن دورها أضعاف دور الرجل، فهي التي بيدها أن تجعله هادئا مستقرا ناجحا، وبيدها أن تجعله متوترا كالمجنون لا يحكم نفسه.

فأم سليم الأنصارية صحابية مرض ولدها وهي وأبوه يمرضانه، وخرج أبوه يوما فمات الصبي، فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أحدثه أنا، فلما رجع وسأل عن ولده قالت: أسكن مما كان، وقربت إليه عشاءه ثم تصنعت له على أحسن هيئة حتى أراحته، فلما رأته وقد ارتاح وهدأ، قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا أهل بيت شيئا فطلبوا وديعتهم ألهم أن يمنعوها؟

قال: لا، قالت: فاحتسب ولدك، فخرج إلى النبي فأخبره فقال صلى الله عليه وسلم: أعرستم الليلة؟ قال: نعم، فقال: اللهم بارك لهما، فولدت غلاماً، وهذا الغلام حنّكه النبي بالتمر وسماه عبدالله، وعبدالله هذا أنجب تسعة أولاد كلهم حفظوا القرآن، فلنرجع إلى سيرتهم جميعا لندرك نعمة العقل والتفكر.

المستشار التربوي لبرنامج «وطني»

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر