أبواب

رهانات النهضة والديمقراطية

قيس الزبيدي

تندرج أبحاث الدكتور ماهر الشريف في كتابه «رهانات النهضة في الفكر العربي. المدى دمشق 2000» في إطار الاهتمام المتجدد بفكر عصر النهضة وإثارة أهم الإشكاليات التي طرحتها وتعقب مسارها عند المفكرين العرب، كذلك في محاولته لإيجاد أجوبة مناسبة حول بناء مجتمعات عصرية وإقامة دول عربية حديثة، انطلاقاً من الأفكار التي طرحها رواد الإصلاح الديني، والتي كانت ترى في الإسلام ديناً للعقل والعلم، ديناً للاجتهاد والتأويل ومواكبة العصر وتآلف الأديان السماوية الثلاثة. ويتوقف المؤلف أمام تيارين رئيسين شكّلا مركز اهتمام مفكري النهضة: تيار إصلاح ديني وتيار ليبرالي علماني، جمعهما الاقتناع، على الرغم من اختلافهما، بأهمية العلم وضرورة الانفتاح على العالم والاقتباس المشروط عن الغرب.

وفي مطلع عشرينات القرن العشرين أخذت روحية النهضة تنحسر تدريجياً في داخل التيار الديني كما أخذت تَتميّز، تدريجياً، بالتعصب والواحدية والتشبث بالحقيقة المُطلقة والتشكيك بالآخر وتكفيره. وكان ذلك إيذاناً ببداية انتكاسة التنوير التي قادت، في مجال فهم الدين، إلى انحسار تيار الإصلاح الديني، وظهور تيار الإسلام السياسي ممثلاً بـ«الإخوان المسلمين»، الذي جرى التمهيد له بانقلاب تفكير الشيخ محمد رشيد رضا، في المرحلة الأخيرة من حياته، على أفكار أستاذيه جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده.

ومنذ وصول الأفغاني إلى مصر عام ،1871 الذي سمحت له أفكاره المنفتحة بأن يجمع حوله المتنورين من أمثال محمد عبده وأديب اسحق، وحتى قيام حسن البنا بتشكيل نواة «الإخوان المسلمين» الأولى في عام ،1928 وتحوّل منهج محمد رشيد رضا إلى أيديولوجية دينية منغلقة على نفسها، ليأتي، بعدئذ، حسن البنا وينشر سياسته القائمة على التعصب والانغلاق والواحدية. وليتخذ موقفاً ممن يخالفونه الرأي ويسميهم الخوارج، وليدعو من يشق عصا الجمع أنْ يضرب بالسيف كائناً من كان. وليقرر أن هناك حزباً واحداً لا يتعدد هو «حزب الله» أما الأحزاب الأخرى فكلها للشيطان والطاغوت وليعلن أن على الناس إما أن يعيشوا بما سماه «منهج الله» فهم مسلمون، وإما أن يعيشوا بأي منهج آخر فهم جاهليون، فلا دين إلا باليقين ولا إيمان الا ويقترن بالإذعان.

ونتيجة لسيادة الاستبداد وافتقاد الحريات وانتشار الفساد وتوسع مساحات الفقر وتفاقم البطالة، فقد أخذت جماعات الإسلام السياسي تعود، منذ النصف الثاني من السبعينات، بزخم كبير، إلى مسرح الأحداث السياسية في العالم العربي. وبغض النظر عن تنامي دور الجماعات، إلا أن اغلب المفكرين العرب كانوا يرون أنها تعجز، بسبب طبيعة فكرها، في أن تقدم حلولاً واقعية للأزمة التي تواجهها المجتمعات العربية، كذلك اعتقد بعض المفكرين الآخرين أن هذه الجماعات ترفض مبدأ الديمقراطية، مبدئياً، وأنها إذ تقبل بالديمقراطية، فإنها تفعل ذلك تكتيكياً بوصفها آلية للوصول إلى السلطة ومن ثم تسعى لمنع تداولها.

وقد تأتّى لجماعة الإسلام السياسي أن تحقق هدفها في الوصول، هنا وهناك، إلى السلطة، بفضل ثورة شباب الربيع العربي، إلا أن نجاحها في إرساء نظام يقوم على مبادئ الحرية والعدل والمساواة هو الذي سيحسم، تاريخياً، مصير مستقبلها السياسي، لأنه ليس أمام أية جماعة سياسية اليوم، سوى أن تتعايش مع الآخر، تتعلم منه وتؤسس معه مبادئ الديمقراطية في بناء الحرية والعدل والمساواة.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر