أبواب

أغنية بالأبيض والأسود

علي العامري

الأغنية كانت ولاتزال تعبيراً عن الناس في كل تفاصيل حياتهم، فهي تعبير عن الحلم والحال معاً، فكما للحب أغنيات، كذلك للحرب أغنيات، وللجوع والحرية والخبز والفصول والبهجة والثورة والطبيعة، إذ تتجلى الحياة واقعاً وحلماً في سجل الصوت والموسيقى. وإذا تتبعنا موجات الغناء عربياً، يطغى الآن صوت العاطفة، وتصل أغنيات إلى ما يمكن وصفه بالثرثرة الجسدية والصوتية، لكن لا تخلو المرحلة الحالية من أصوات تغني حقاً، سواء للحب أو للحرية أو للحلم أو للتراب والسماء، وغير ذلك.

صحيح أن شؤون القلب تأخذ مساحة كبرى من أصوات المغنين، لكن بعد تفتح «الربيع العربي» تغير الإيقاع، وانتعش مقام الشارع. وقد برزت مجموعة من الأغاني والأهازيج خلال الثورات العربية، وأعيد الاعتبار إلى صوت الأمل في التغيير، بعد سبات طويل.

سميح شقير موسيقي سوري معروف، تنبض موسيقاه على إيقاعات الناس، وهو وفيّ لفنه دائماً، وفيّ لروحه، وفيّ لحبه للناس ولوطنه الصغير والكبير والأكبر، وفيّ لسورية وللوطن العربي وللإنسانية. قدم ابن جبل العرب كثيراً من الأغاني، فهو صاحب «زهر الرمان»، و«لمن أغني»، و«شيفان» و«غرفة صغيرة» و«محجوب» و«لو يوم تنادينا» و«إن عشت فعش حراً» و«رجع الخي». وكانت أغنيته «يا حيف» صرخة بالأبيض والأسود، تقطر ألماً، وتدين بشدة القتل الذي تعرض له أهالي مدينة درعا برصاص الأمن، خصوصا أن الشهداء والقتلة سوريون، يعيشون على أرض واحدة، وتغطيهم سماء واحدة. كانت «يا حيف» أغنية باللونين الأبيض والأسود، فيها مرارة ورفض وإدانة، والتي صرخ فيها «يا حيف أخ ويا حيف زخ رصاص على الناس العزّل يا حيف. وأطفال بعمر الورد تعتقلن كيف. وانت ابن بلادي تقتل بولادي. وظهرك للعادي وعليّ هاجم بالسيف. يا حيف يا حيف».

وكانت الأغنية التي سجلها في بيت وليس في استوديو، صرخة ضد القتل، وصرخة من أجل الحرية. وكما رسم الفنان بابلو بيكاسو لوحة «جورنيكا» بالأبيض والأسود وتدرجاتهما، رسم سميح شقير صرخته في مواجهة الرصاص، مع بدء انطلاق الثورة السورية في 15 مارس الماضي. وجاءت أغنية شقير الثانية «قربنا» مبشرة باقتراب موعد الشعب السوري مع الحرية، وبثت الأغنية روحاً جديدة، فيها من الأمل ما ينبئ باقتراب سطوع شمس جديدة لشعب يستحق الحرية والعدالة والحياة الكريمة، مثل كل شعوب الأرض. ويقول شقير في أغنيته «قربنا يا الحرية.. هي يا هي يا هو. مهرك كان.. غالي عليّ». وهو يؤكد في الأغنية أن «الكرامة حق الكل». ويضمنها شعارات من الثورة، ويدين فيها قتل الأطفال وتكسير اصابع فنان الكاريكاتير علي فرزات، ونزع حنجرة المغني الشهيد إبراهيم قاشوش.

هكذا يؤكد الفنان سميح شقير أن الفن يقف دائماً مع الناس، وأن الأغنية صوت من أجل الإنسان.

alialameri@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر