أبواب

مأزق الاقتصاد الإسلامي

محمد المرزوقي

يوضح الدكتور شاكر النابلسي في كتابه « لو لم يظهر الإسلام ما حال العرب الآن » كيف درج المؤرخون الإسلاميون المعاصرون على عقد مقارنات بين النظام الاقتصادي الإسلامي ونظم الاقتصاد العالمية الحديثة، ليبينوا لنا سبق الإسلام في تبني وممارسة جانب كبير من هذه النظم. ولكن المقارنة لكي تكون عادلة يجب أن تتم كذلك بين النظم المالية التي كانت سائدة قبل الإسلام والنظم المالية الحديثة؛ فالإسلام لم يأتِ بنظامه المالي من فراغ، وإنما انبثق من الآليات التجارية التي كانت سائدة بين العرب قبل الإسلام. فوضع مكة قبل الإسلام كان أشبه بوضع سنغافورة أو هونغ كونغ أو دبي. فقد كانت مدينة «كوزموبوليتان» تتمتع بنفوذ تجاري ومالي كبيرين، كما كانت مركزاً إقليمياً للترانزيت والتجارة بين الشمال والجنوب. وعندما ظهر الإسلام أقام قوانينه وأنظمته الاقتصادية على التجارة التي كانت قائمة في مكة فعلاً. أهم مشكلة تواجه النظام الاقتصادي الإسلامي هي اعتقاد المسلمين بعصمته وكماله، مع أن أكثر من 90٪ من هذا النظام موضوع من قبل الفقهاء.

كان «عام الرمادة» هو أول اختبار حقيقي للنظام الاقتصادي الإسلامي، حيث فشل في حماية المجتمع الإسلامي من أول مجاعة حصلت في تاريخ الإسلام منذ ظهوره. وكان الأجدر بالمشتغلين بالشأن الإسلامي دراسة وتحليل هذه الأزمة الاقتصادية والكارثة الإنسانية لمعرفة أسبابها.

يقول شاكر النابلسي إن وقوع «عام الرمادة» في عهد عمر دليل على وجود قصور في الإدارة المالية للدولة الإسلامية في زمنه، حيث لم تأخذ في حسابها الاحتفاظ باحتياطي مالي يتصرف به عند الحاجة، لاسيما أن بيت المال كان قد دخلته قبل «عام الرمادة» أموال وغنائم فتح العراق وبلاد الشام، وكنوز قيصر وكسرى.

المشكلة الأخرى التي يعانيها الاقتصاد الإسلامي هو أنّ معظم الذين بحثوا فيه كانوا من مشايخ الدين الذين لا علاقة لهم بعلم الاقتصاد. فكان تناولهم للاقتصاد الإسلامي من باب التبجيل والإطراء، وليس من باب النقد والمراجعة.

في كتابه «المناعة الفكرية» يضرب الدكتور عبدالكريم البكار مثالاً بالخليفة عمر بن عبدالعزيز نموذجاً للصورة الخيالية التي ينسجها المؤرخون الإسلاميون لنتائج تطبيق النظام المالي الإسلامي، حيث إن بعض الجماعات الإسلامية تعتقد أن أي دولة بتطبيقها للنظم الاقتصادية الإسلامية تستطيع القضاء على مشكلة الفقر تماماً، وهم يبرهنون على ذلك بنجاح عمر بن عبدالعزيز في القضاء على الفقر في الدولة الإسلامية، وهذا الخبر لو صح، فإنه لا يعدو أن يكون قد حدث في حي من الأحياء أو قرية من القرى، وليست هناك أي فرصة لوقوعه في ما هو أوسع من ذلك لجملةٍ من الأسباب (يتغافل عنها من يروّج لمثل هذه القصص) منها:

أن التخلص من الفقر في دولة لها امتدادات في آسيا وإفريقيا في سنتين أمر مستحيل، لأنه يستلزم أولاً تشكيل ألوف اللجان لمعرفة من ينطبق عليه مفهوم الفقر ويستحق المساعدة، وهذا بدوره يتطلب إمكانات مالية ضخمة لم تكن متوافرة في خزائن الدولة. لذلك ستبقى نظريات الاقتصاد الإسلامي وآلياته أسيرة الكتب والنصوص ما لم تتم دراستها دراسة جادة، ونقدها، وإعادة تشكيلها لتلائم العالم المتغير. فعلم الاقتصاد، سواء كان إسلامياً أو غير ذلك، هو من العلوم الإنسانية، ولابد أن يكون علماً وضعياً وناقصاً.

al-marzooqi@hotmail.com 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر