يا جماعة الخير

أمي أعينيني على بِرك..لو سمحت

مصطفى عبدالعال

الأم زينة الوجود ووصية المعبود، تحتفي بها السماء قبل الأرض، فلتغتنم الفرصة كل الأمهات، وقد فطرهن الله على حب أولادهن بلا حد، وعطاءٍ لا يُحَد، كما فطر سبحانه الولد، ذَكراً كان أو أنثى، على المحبة نفسها، وإن كانت أقل! نعم، فقد تتسرب بعض الأنانية إلى الولد في صغره أو حين يكبر، لكنها أبداً لا تجد طريقاً إلى قلب أمٍ من الأسوياء.

تلك فطرة الله التي فطر الناس عليها، والتي تجعل كل أم تبث حنانها متدفقاً متوالياً لكل وليد من أولادها، حتى ولو كان مشوهاً متخلفاً مؤذياً يتمنى الكل أن تستريح الدنيا منه، إلا الأم فإنها جُبلت على حنانٍ صاغه الله بنسيجها، لتكفل من لا كافل له من البشر سواها. يشمل هذا الحنان أولادها، ذكوراً وإناثاً، صغاراً وكباراً، حتى ولو صاروا أجداداً، بلا تفرقة بين صغيرٍ وكبيرٍ، وغنيٍ وفقير، وبارٍ وفاجرٍ، وهذا العطاء المتجدد هو الذي يغذي مشاعر الحب والولاء والعرفان والانتماء لها من أولادها، حتى ليشعر الولد من فرط تعلقه بأمه أنها بر الأمان والاطمئنان، فيأوي دوماً إليها مُقراً بالعجز عن رد أفضالها، وحاله تقول هيهات هيهات.

لكن كيف لو كانت الأم على غير ذلك من العطاء؟ كيف لو شُغِلَت عن أولادها بنفسها وصديقاتها والتسوق في المراكز وتسويق شخصيتها اجتماعياً في الصالونات والنوادي وأنواع الاتصالات؟ كيف لو عاندت زوجها عند الخلاف بترك الأولاد وأكل حقوقهم وإهمال ما عليها من واجبات؟ كيف إن زعمت أن نهارها مشغول بالدوام وتوابعه، وليلَها مشغول بالزوج ومطالبه، كأنها حقوق أولى وأقدس من شرف الأمومة والحقوق المقدسة للأولاد؟ كيف لو لم تنتبه - دون الكل - إلى أن رعاية طفلها ومداعبته ونظافته وطعامه وشرابه في مراحل عمره لم تكن إلا على أيدي خادمات مختلفات عن طبيعة الأم وعن تربية الأهل في كل شيء، حتى في الديانات، وربما أصلاً من غير ديانات؟ وهي في غفلة عما يترسب في أعماق ولدها من عادات وسلوكيات، حتى ليبكي عند غياب الخادمة، بينما لا يتحرك عند رؤية أو غياب الأم، فأين التربية ولمن يكون الولاء؟

أسئلة كثيرة توضح لنا أن الأم لو انشغلت عن أخص واجبات الأمومة فلن تجد من أولادها ما لم تعطهم هي أصلاً من برٍ وولاء، لذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ اللهُ وَالِدًا أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِره».

والولد الـذي حُرم الحنان والاهتمام فمن أين له به حتى يعطيه؟ ومع ذلك فإن الشرع بالبر ألزمه، ومن العقوق حذره، وضاعف له الثواب حين يبر والدين ما قاما ببره. نعم، فقد حذر صلى الله عليه وسلم من عقوق الوالدين للأبناء، فقال: «رُب والدين عاقين، الولد يبرهما، وهما يعقانه، فيكتبان عاقين». رواه الديلمي عن معاذ بن جبل مرفوعاً. لذا قال أحد التابعين لأبيه: يا أبت إن عظيم حقك علي لا يُذهب صغير حقي عليك، ولست أزعم أننا على سواء.

المستشار التربوي لبرنامج «وطني»

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر