يا جماعة الخير

ماذا لو قلت: كل عام وأنتم بخير؟

مصطفى عبدالعال

علمنا ديننا أن نتبادل حقوق الجيرة مع أهل الكتاب المعايشين لنا في البلد والذين أباح لنا الزواج بهم، والزواج نعمة وآية {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم منْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم موَدةً وَرَحْمَةً}. (الروم: 21). فسبحان من يؤلف بين قلبين فيجعل بينهما المودة والرحمة والسكن النفسي، فإذا تآلف قلب مسلم مع قلب كتابية ورأى فيها أخلاقاً كريمة ورآها أهلاً لأن تكون أماً لأولاده، قانعة بتكوين أسرة مسلمة تحت ولايته مع بقائها على دينها فإن الإسلام يبيح لهما الزواج، فهل يبيحه ويدعو إلى الود فيه ثم يمنع الزوج من أن يقول لها ولأهلها: كل عام وأنتم بخير؟ وهل لو تمنى الإنسان لجاره - ولو كان على غير دينه - أن يكون طيباً تُعد أمنية تنكرها الأديان؟

ومن منطلق الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله فإن ميلاد عيسى عليه السلام احتفى به القرآن الكريم وذكره مفصلاً في سورة سماها «مريم»، نتعبد بتلاوتها، فتهنئة لكل من يحترم مولده ولا يشوهه بما حرم الله في كل الديانات.

وإن لنا في تعايشنا مع أهل الديانات الأخرى معاملات تجارية وثقافية وتعليمية وعلاجية وسياحية، وما ادعينا أن الدين يمنعها، فلماذا في مجال الواجبات يتخوف أحدنا من معارضة الدين؟ فلنقرأ حقوق أهل الذمة في الإسلام، ولنقرأ خصوصاً قوله سبحانه: {وَلَتَجِدَن أَقْرَبَهُمْ موَدةً للذِينَ آمَنُواْ الذِينَ قَالُوَاْ إِنا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَن مِنْهُمْ قِسيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ}. (المائدة: 82). وهل الكلمة الطيبة مع جاري الذمي تخرجني من ديني أو تدخلني في دينه؟ ألم يزر الرسول صلى الله عليه وسلم خادمه اليهودي حين مرض؟ وهل المواطَنةُ الصالحة إلا التعايش وبما فيه من مشاركةٍ في الأفراح والأتراح؟ نعم كلٌ له دينه وعبادته، ولا يجوز عقلاً ولا شرعاً أن يشارك أحدنا في عبادة الآخر، أما أن نتزاور ويجامل بعضنا بعضاً في مناسباتنا بعيداً عن العقيدة فإن هذا لا يخرج عن المودة التي طلبها الله من الزوج المسلم لزوجته الكتابية وأهلها، وبصراحة لو نحينا الجزء المصطنع من تشويه صورة الدين لوجدنا الجزء الباقي بسبب سلوكيات من لم يتحلوا بالحلية الحقيقية للدين، وما نهجوا نهج السلف الصالح الذين نشروا الدين بسلوكهم ومعاملاتهم تجاراً وزواراً، وبهم اجتمعت الأرواح والقلوب حول ديانات السماء حسب نزولها على موسى كليم الله، وعيسى روح الله، ومحمد خاتم المرسلين.

وجد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب درعه عند يهودي فطلبها، فقال اليهودي: درعي وفي يدي، ولنحتكم لقاضي المسلمين، فأتيا شريحاً القاضي، فطلب شريح من أمير المؤمنين شاهدين، فدعا مولاه قنبر وولده الحسن فشهدا بأنها درعه، فقال شريح: شهادة ولدك لك لا نجيزها، فقال علي: أما سمعت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة؟ قال اللهم نعم، لكنه ولدك، ثم قال لليهودي: خذ الدرع، فقال اليهودي: أمير المؤمنين جاء معي إلى قاضي المسلمين فقضى لي وأذعن علي لحكمه! صدقت والله يا أمير المؤمنين إنها لدرعك سقطت عن جملك فالتقطتها، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فوهبها له علي رضي الله عنه.

المستشار التربوي لبرنامج «وطني»

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر