أبواب

أسئلة الرواية

قيس الزبيدي

يرى سارتر أن الرواية وُجِدت، أو هي توجد، بصورة طبيعية، رُبما ليسَ من أجلِ إعطاء حلول لمشكلات المجتمع، بل من أجلِ طرح تلك المشكلات، لكن ألان روب غرييه، الذي ينتمي إلى حركة «الرواية الجديدة» وروادها من أمثال كلود سيمون وناتالي ساروت ومرغريت دوراس وميشيل بوتور، نراه يتفق مع سارتر، لكنه يرفض نظريته في الالتزام، ولأنه يعرف أن لديه شيئاً يقوله، من دون أن يعرف كنه هذا الشيء فهو يطرح أسئلة في رواياته، لكنه لا يعرف شيئاً عنها، وانه إذ يعيش حياة كلها سياسة فإنه وقف مع كتّاب جيله إلى جانب استقلال الجزائر، لكنهم جميعاً فعلوا ذلك ليس بوساطة رواياتهم، لماذا؟

لأن القيم المضادة لحرب فرنسا الكولنيالية كانت موجودة، يقول غرييه، ولأن القانون الفرنسي ذاته يرفضها، كما ينكرها إعلان حقوق الإنسان. ويخامر غرييه انطباع بأن الكلمات التي تسمح له بصياغة المعضلات «السياسية» مثلاً ليست موجودة بعد، وبأن الأدب يَحبل كثيراً أو قليلاً بعالم مقبل لكنه نفسه يجهل هذا العالم المقبل.

استعار غرييه تعريفه للرواية من بورخيس وعدّها ممارسة إشكالية تضع العالم موضع البحث والتساؤل وأخذ يصنف الكتاب في نمطين: كاتب يفهم مشكلات العالم ويكتب عنها ويفسرها أمام قارئ يفهمها بشكل اقل، وكاتب آخر يبدأ الكتابة تحديداً، لأنه لا يعرف ما الذي يحدث. ويأتي بمثالين من الأدب: في بداية رواية «لوي لاميير» يكتب بلزاك: «ولد لاميير في عام 1797 في مونتار، وهي مدينة صغيرة في منطقة الفوندوموا، حيث كان والده يشغّل مصبغة متوسطة الأهمية». يقول القارئ: «ها كم شخصاً يحدثني بكل وضوح وأنا امنحه ثقتي». وفي الجملة الأولى في رواية «الغريب» التي ظهرت بعد رواية بلزاك بـ120 عامًا، يكتب ألبير كامو «اليوم ماتت أمي، وربما أمس. لست أدري. لقد تلقيت البرقية من المأوى: الماما ماتت. الدفن غداً». يقول القارئ: «هنا كاتب لا يدري، ونحن ليس لدينا وقت نضيّعه مع أشخاص يتلعثمون».

في مجلة «الأزمنة الحديثة» كتب سارتر نقداً سلبياً لفيلم «العام الفائت في مارينباد» الذي شارك غرييه في كتابة السيناريو عن رواية دوراس مع مخرجه ألان رينيه: «أشعر بالخجل لكوني كرست عشرين صفحة للفيلم الذي يسكت تماماً عن الوضع الكولنيالي والنيوكولنيالي الذي تسعى فرنسا لتأييده».

يحاور ادوارد الخراط: إن أحسن ما نفعله هو أنْ نكتب الرواية، لا أن نرجع إلى تنظيرات معينة عن الرواية، فالأفضل أن نرجع دائما إلى نصوص الرواية، لكي نرى انه ليس هناك شكل ثابت للرواية وان التقليد، أو السير على الطرق المألوفة، قد يضير الرواية ويقتلها.

يعقب غرييه: «ليس هناك أدب واحد، هناك آداب ونحن معشر الكتاب موجودون هنا، لنغيّر العالم ونغيّر الرواية وبشكل أكثر تواضعاً نُغيّر أنفسنا، ثم على سبيل البداية لنغيّر الرواية ولكن لا نغيرها مرة واحدة وإلى الأبد، بل نغيرها بلا هوادة». وسبق لبول فاليري أن قال«خطران يهددان العالم على الدوام: النظام والفوضى».

❊ كتاب «الإبداع الروائي اليوم» ــ دار الحوار ــ اللاذقية/ 1994 يضم مداخلات ندوة معهد العالم العربي بباريس، التي شارك فيها كبارُ الكتاب العرب والفرنسيين في عام .1988

 

 

 

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر